طبيعة الديمقراطية العربية في ضوء مناهج التحليل السياسي المقارن
إن تحديد عنوان هذا الكتاب بالديمقراطية العربية في ضوء مناهج التحليل السياسي المقارن جاء نتيجة للتطورات السياسية التي أخذت بها بعض الدول العربية في تطبيقها لهذا النظام منذ سنيين قليلة مضت، والاستفسارات التي إثارتها فشل عقيدة الرئيس الأمريكي السابق بوش بديمقرطة الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع بالمرء للتساؤل عن أسباب فشل دول معينة سبق لها أن أخذت بهذا النظام، ومعاناة دول ثانية في تطبيقها اليوم.
في الواقع تعني الديمقراطية كطريقة حياة انفتاح كل طرف سياسي على الأخر بالقبول بالمشاركة الجماعية في إدارة شؤون المجتمع السياسية وغير السياسية. ولتحقيق هذا الهدف لابد من توفر بيئة معينة تسهم في غرسها وقد تعددت المناهج تفسير شروط هذه البيئة من اقتصاد إلى ثقافة إلى دور المؤسسات وانتهاء بالتفسير الاستراتيجي لدور الفاعل السياسي.
ولا يعني مفهوم الديمقراطية كطريقة حياة إن هناك نمط واحد للنظام السياسي الديمقراطي ففي عالمنا المعاصر هناك ديمقراطية ليبرالية إلى جانب الديمقراطية غير الليبرالية وان معايير التميز بينهما تحددها الآليات الضامنة لعمل الديمقراطية من دور حكم القانون والفاعلية السياسية مرور بدور الثقافة السياسية ودور المواطن .
أما بخصوص طبيعة الديمقراطية في العالم العربي فتطبيقات المناهج التحليل السياسي يبين بأنها ديمقراطية غير ليبرالية تستند آليات سلطاتها في تعاملها مع المواطنين على إغراء المواطن عبر مكتسباتها المادية. وان كانت هناك معوقات تمنعها على القيام بذلك، فأنها تسقط على الأخر – المعارضة – أسباب ذلك. ولكن لا تعني عملية الإسقاط هذه في الواقع، فشلها في مواصلة أهدافها فحسب، بل تعني أيضا ضعفها المتجسد بخوفها في عدم قدرتها تحقيق مواصلة إشباع نرجسيتها بفقدان السلطة من بين يديها، بفشلها في مواصلة إرسال صورتها الإيجابية كما تراها هي نفسها بها وتعشقها. ولكن لكون إن حاجتها إلى الأخر تعتبر من الضروريات القصوى التي لابد منها لكي تشعر بوجودها، فهي مضطر على إبقاء الآخر- المعارضة - بعقد علاقة تتراوح بين الحب، بإغرائه لكي يصبح امتداد لذاتها المتضخمة، وشعورها بالكراهية منه في نفس الوقت، لغرض تذكيره بان مصيره بيدها.