عندما نشق صدر التاريخ لننتزع منه الحقيقة
بداية أريد أن أعرف ما هو التاريخ .. هل هو وحدة زمنية مرت .. لو كان كذلك لاكتفينا بتسميته بالماضى .. أم هو أحداث تركت وراءها آثارًا باقية فى حياتنا لا زالت تعتمل أو تطغى علينا آثارها .. لو كان كذلك أيضًا لأسميناه ناتج وجود إنسانى .. أم هل هو ما يكتبه المتملقون فى كل العصور عن من أغدقوا عليهم الأموال والعطايا .. أم هل هو بطولات خيالية فشلنا أن نحققها على الواقع فأسمينا لها أبطالًا ونسبنا لهم ما كنَّا نتمنى أن نحققه أو حتى يحدثه أحد منَّا .. أم هو تسجيل عشوائى وفق ما تسمح به الحقب فيبين بعضها ويختفى الآخر .. أو تطغى حقبة على أخرى كما تعودنا من السطو الإنسانى الدائم لإزالة تاريخ من قبلهم ليبين حجمهم الضئيل بعد إزالته .. أم هو وجهات نظر حاكمة لحظة التسجيل تقرأ الأحداث وفق أهوائها وليست بحقيقتها .. أم هو سجل زيارات تسجل فيه الأحداث مرورها فيه .. أم هو وقائع نادرة الحدوث تسجل أو يحتفظ بها لغرابتها .. أم هو ما تتكشف عنه الطبيعة عندما تفصح عما بداخلها أو ما أخفاه فيها الزمن .. أم هل هو أنشودة وطنية يكتبها كل شعب بحروف الماضى ليؤكد بها أصالته بين الشعوب .. وهل هناك معايير لصواب ما يكتب .. وهل هناك مراجعة لتأكيد واقعيتها أو مصداقية ما ورد فيه .. كلها أسئلة تجعلنا نبحث عن ضرورة وجود رابط تاريخى يربط تلك الأحداث بوجود إنسانى بعينه فى جغرافيته المحددة .. من هنا كان ضروريًّا إذا أردنا أن نؤصل وجود مجتمع إنسانى ما أو وجود بشرى بعينه أن نبحث عن رابطة أساسية مشتركة تربط كل الأحداث فيه بنتائج فكر وأعمال هذه الفئة أو هذا الوجود الإنسانى .. بمعنى أن نستبعد كل ما تعرض له من توقيف .. أو ما تعرض له من احتلال أو سيطرة من الغير .. واعتبار كل ذلك أحداث دخيلة لا ترقى لأن تكون تاريخًا لها .. واقرؤوا كل تاريخ الدول حولنا .. ليس فى تاريخهم صفحات تسجل لمحتل حدثًا واحدًا .. وليس فى تاريخهم اسم دخيل جاء إليهم من خارجهم ليحكمهم .. مثل ما نسجل نحن المئات من حثالات العالم الذين قدموا إلى مصر تحت حماية محتل ليحكموننا .. كالمماليك مثلًا أو الرومان أو الأتراك .. أو غيرهم .. ونحتفظ بأسمائهم ونطالب أولادنا وكل أجيالنا القادمة بحفظها ونتفاخر بما أطلقوا عليه أسماءهم من قصور وبنايات وجوامع فى حين أننا من بناها ودفع كل تكاليفها وعشرات مضاعفة أخرى من المدفوعات الباهظة من حريتنا وتوقف حياتنا وربطها بإرادة الدخيل وأرصدة ثرواتنا لإثراء حياتهم القادمون بها من أدغال العوز والفقر والهمجية .. ليسرفوا بإسفاف فيها .. غير مئات الأضعاف نهبت إلى أصولهم فى بلادهم .. والأجدى لنا أن نمحوا تلك السبة من تاريخنا وأن يكون كل ما تم على أرضنا وبأيدينا مكتوبًا بأسماء أصحاب الأرض والمال والجهد وليس تلك العاهات التى تسلطت بحماية آخرين أتوا بهم ليتولوا جمع الأموال والخراج والجزية لو أردت أن تسميها صوابًا لأنها أمر غير مستحق لأحد لأننا مسلمين .. ومن يجمعها منَّا بقوة يدعى للأسف الإسلام بل يدعى أنه خليفة المسلمين لنرى عبيدًا ومرضى نفسيين وجوارى ومحظيات ساقطات .. وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان .. ما بين برقوق وقراقوش وطغج وكافور وشجر الدر وأخرى مزواجة فاجرة .. وراكب حمار معتوه وكثير من السوقة والسخفاء والأجلاف يقتلون ويذبحون ويخوزقون ويدورون بالشرفاء فوق حمير يركبونها مقلوبة ليزيدوا الشعب ذلًّا ورعبًا .. ليتمادوا فى السوء والتسلط .. مزقوا تلك الأوراق الخبيثة التى دستها أسرة محمد على فى تاريخنا وفرضت علينا حفظها وصنعت لنا من جواريها وعبيدها حكامًا لنا ليزيدوا حقارتنا .. أمام أصولهم التركية المختلطة من كل رعاع العالم وأقصد بهم البلقانى بائع الدخان والذى لا نعرف له أصلًا محددًا حتى الآن .. وبدل أن يقول التاريخ أن مصر صنعت من هذا النكرة اسمًا مشهورًا فى العالم نترك التاريخ المزيف يقول إن محمد على هو صاحب نهضة مصر وهو الذى صنع مصر الحديثة وننسى مصر وشعبها الذى أنزله من فوق حماره وخُرجه .. وهو جوال قديم يضعه على حماره ويستخرج من فتحاته الجانبية بضاعته وهو يجول فى البلاد ليبيع الدخان .. ليتحصل على ما يقتات به .. الشعب العظيم الذى أسكنه فى قصور وقلاع وملأ خزائنه بالذهب والفضة والجواهر .. وحماه بجنده .. وأشبعه هو ومن ولَّاه علينا بخيرات مصر كلها .. حيث ولَّاه علينا سلطان تركى متخلف حتى إنه كان يتصور أنه كلما زاد حجم العمامة على رأسه دلَّ ذلك على سِعة وكِبَر عقله وهو فى الحقيقة يخفى بلفات كثيرة من القماش فراغ هذا العقل الأجوف والذى لم يكن به إلا مخزون من المكر يتوقف عند اختيار من يجمعون له أموال الآخرين ليغدق العطاء على لصوصه ليزدادوا ولاءً له .. هل ننسى بعد ذلك كل هذا .. ونقول قلعة محمد على .. وقناطر محمد على .. وترع أولاد محمد على .. ومدنهم وقصورهم .. أليس هذا بُعدًا مُجحفًا ومُهينًا عن الحقيقة .. لست مؤرخًا ولن أحاول لأكون .. أنا أفتح أوراق التاريخ لا لأضيف إليها أو أسجل عليها .. ولكنى أفتحها لأكشف التناقض الذى أدى إلى هذا التداخل بين تاريخ الشعوب ونكبات الشعوب .. التاريخ ثراء محقق وفخر نستحضره عندما نتذكر أمجادنا .. التاريخ هو احتفاظ لكل تفوقاتنا وتكريم لكل من صنعوها .. وأبدًا لن يكون دليل ذُل أو خنوع أو تسلط نكرات من خارج حدود وطننا علينا .. ليس هذا بتاريخ ولكنها أيام سوداء مرت لا ينبغى أن نسرف فى حفظها .. لأنها إدانة لنا وليست هناك شعوب على وجه الأرض تحتفظ بما يدينها أمام أجيالها .. ومع هذا فإن قراءتى للتاريخ ليست دعوة لكتابته من جديد ولكنى أقول فقط وجهة نظر فيه أتمنى أو أرى ضرورة أن يُعاد كتابته .. كى تمحى منه أوراق بالية كثيرة .. تُصحح باختفائها كل الأخطاء فيه .. يستطيع ذلك كل من يقرأه .. فهو يستطيع أن يمحو ما يشاء بأن يتجاوز كل الحروف التى كُتب بها .. لأنه يستطيع أن يستحضر ما يشاء من ذاكرة الصواب التى تسكنه من قراءاته .. وكل متحصلاته المعرفية عن الحقائق التاريخة التى تبين على حقيقتها بعد أن يختفى المزورون .. لأن التاريخ ليس معادلات معقدة يستمر غموضها باختفاء صانعها .. ولكنها قراءة متاحة لصواب متاح دائمًا لا يستطع الخطأ مهما تراكم أن يخفيه .. بقى أن أقول إننى أعرف ما كتبت .. وأقصد ما يَرِد فيه من تكرار .. إننى أتعمد هذا التكرار حتى لا يتوقف التشخيص عند العلاج .. ولكنها صرخات ألم متكررة بكل الصيغ الممكنة .. ليكون قرار الجراحة واستئصال مسبباته .. هو العلاج الوحيد الموقِف للتلوث المسبب للألم .. والمتسبب فى هدم الثقة وضعف الإرادة.