أعماق فكرية خافية
قد يكون لأول مرة أن يطلب كاتبًا من القارئ ألا يلتزم بسياق محدد من أى نوع يحكمه حتى يمكن تصنيفه .. أنا كاتب لا يقيده تخصص ولا يحكمه تصنيف .. ولن أتشكل لأكون ما أكتب .. ولكن ليتشكل كل ما أكتب حتى يكون أنا .. ومن هنا فأنا أتبع منهجًا متفردًا فى الكتابة .. ليس معنى ذلك أننى أكتب بعشوائية المعرفة .. ولكن أكتب فى موضوعات محددة بكل ما تجمع لدى من طرق وأساليب ووسائل معرفة فى كل فروع الحياة .. فأنا عندما أكتب عن إنشاء المبانى «الهندسة المعمارية» مثلًا فإننى أتكلم فيما أتكلم عن معايشة الإنسان للحياة والطبيعة .. وعن الطبيعة وما فعلته بها الحضارة .. وعن الطاقة السلبية والإيجابية للمواد المستخدمة فى البناء .. وأثرها الطبى على الكائن الحى وعلى المؤثرات النفسية المترتبة على ذلك .. وعن مدى الاحتباس الحرارى وردود أفعاله السيكلوجية قبل الفسيولوجية .. ورد فعل ذلك على ما يحدث من مشاكل اجتماعية .. وأتكلم عن الديكور وأبعاده الجمالية المتعارف عليها وكل مدارسه العالمية وكل توافقاته مع ما حوله والهدف منه .. وأثر النمطية على الملل العام وتوافق الشكل الجمالى المصنع مع الجمال الطبيعى المطلق .. وأثر كل ذلك مجتمعًا أو جزئيًّا على الذوق العام .. وأتكلم عن الرسوم الهندسية للمبنى وعلاقته بالحضارة الإنسانية القائمة .. من حيث التناسب مع مهنة الساكن وعدد القاطنين فيه .. والأبعاد التى يمكن أن تتحرك فيها تيارات التجديد الهوائى وكل الحواجز الخارجية الصناعية أو الطبيعية التى تؤثر عليه .. وقدرة الرياح على النقل والحمل .. وأقصى اتساع يتيح النقاء الكامل بالحركة الطبيعية للهواء دونما تدخل بشرى .. ونسبة التلوث التى تظل عالقة .. ثم أتحدث عن التكلفة والنظام الاقتصادى الحاكم للمجتمع .. وكل النظم الاقتصادية العالمية ورد فعلها على الحركة العمرانية ومستوى التميز أو الاختلاف فيها بين الدول .. ومرونة التعامل والتمويل وحجم التكلفة والتناسب مع القدرات المتاحة .. وانعكاس ذلك شكلًا على الرأى العام بشكل متكامل رسميًّا وشعبيًّا .. وأتكلم عن التوافق المجتمعى أو التمزق المجتمعى الذى يمكن أن تسببه سياسات البناء وأساليب تنفيذها .. وأتحدث عن عمرها الزمنى ومدى الصلاحية المتاحة للتواؤم مع المستجدات بكل صور بنائها المتغيرة .. وأتحدث عن كونه إضافة لمكتسبات وليس إضاعة لأى محقق سبق اعتباره إنجازًا إنسانيًّا بأى مقياس أو فى أى فرع من فروع التكوين المجتمعى .. كالبناء على أرض زراعية أو إخفاء لمنظور حضارى تم تحقيقه .. أو إعاقة توسعات مستقبلية لمشاريع أو مصانع .. أو مصادرة حلم للتوسع فى الطرق أو ما يخدمها أو ما سينشأ عليها مستقبلًا .. أو توفير خدمات إقليمية تخدم بقربها قطاعات جغرافية طبقًا لتخصيص الدولة لها .. أو إعاقة خدمات طارئة كالإطفاء أو الإسعاف أو التدخلات الأمنية .. ليس هذا أسلوبى فى الكتابة عن قطاع المعمار فقط ولكن هذا هو أسلوبى ومنهجى فى الكتابة عن أى موضوع أو أى شأن والذى ربما يعتبره البعض خروجًا عن الموضوع أو إغفال من القارئ لحدود مناهج بحثه أو عرضه لرؤيته أو منهجه فى الحل لما بالمطروح من مشاكل أو عقبات .. أو بعثرة لسطور غير مرتبة أو خروج عن سياق منتظر أو ابتعاد مفاجئ عن التسلسل المنطقى .. لأن المنطقية هنا لا ترتبط بمعايير قديمة ولا تتوقف عند حدود سابقة التحديد المنطقية هنا هى الإدماج الكلى للأمر المطروح فى كل ما يمكن أن يؤثر أو يتأثر بقيامه أو وجوده .. من هنا فإننى لا أرتبط بسياق حدثى محدد ولا أرتبط بسياق فكرى متخصص .. ولا أتقيد بأسلوب توضيحى بعينه .. ولكن كتاباتى عن أى موضوع هى «سلة معرفية» فيها كل ما يتعلق بالموضوع المطروح .. ليس مهمًّا ماذا على السطح فيها أو ماذا فى العمق .. ولكن المهم أن تكون وجبة معرفية متكاملة .. أو مفردات مكتملة لتحقيق البناء المستهدف لا يغيب أى من مكوناته المباشرة أو غير المباشرة .. فكل ما يمكن الكتابة عنه مرتبط بكلية الحياة ومرتبط بكلية المعرفة .. ومرتبط أكثر باكتمال الرؤية له من كل الزوايا التى تهتم بها المعرفة الإنسانية .. قد أكتب بموضعية كاملة فى فرع ما من كل ما ذكرت وأنتقل فى منتصفه إلى ما يزيده عمقًا معرفيًّا كأن أحكى واقعة بعينها نثرًا وأكمله شعرًا أو أتطرق إلى قصة توضح بشكل غير مباشر ما يمكن أن يضيف بعدًا معرفيًّا بالاستنتاج .. وقد أتوقف لأضيف شيئًا جديدًا مستجدًا .. أو أترك حفر الأثاثات الخراسانية يعتمل فكرًا وأنا مغرق فى الحديث عنها وأنتقل إلى نوع آخر من الأثاث والذى سيتم استخدامه فى الوحدة السكنية عندما تكتمل .. وربما انتقل إلى أحدث طرق الهدم التى تختزل أكبر قدر من الوقت والجهد والخسائر .. وقد أتكلم عن أسلوب التعامل الحضارى مع الجار .. أو المنهج الصحى فى التخلص من النفايات اليومية وأسلوب الاستفادة منها على المستوى الشخصى والعام .. يمكن أن ترى ذلك فى كل كتاباتى هذا ليس خلطًا للأمور أو الموضوعات .. ولكنه على العكس تمامًا هو تكامل مفقود وبعد فكرى غائب عن كل المناهج البحثية حتى العلمية منها .. والتى لا يجب أن تسمى بعلمية إلا إذا أحاطت علمًا بكل ما يتصل بالموضوع محل البحث بكل ما يعتمل وما سيعتمل افتراضًا وليس يقينًا .. من كل الاعتمالات الحياتية والتى تخضع للتغيير المستمر وتتبادل المؤثرات والوجود معه وهذا ما نفتقده وهو الحلقة المفقودة بين البحوث المغرقة فى العلمية وتطبيقها على الواقع .. إن سوء الفهم لمقصدى وأسلوبى فى الكتابة ليس مهمًّا بالنسبة لى بقدر حرصى على منهج جديد أضعه لا يغفل شيئًا يقوم عليه الصواب فى أى بعد من أبعاد أى شىء أتعمق أو أبحر فيه لا حالًا ولا مستقبلًا .. وإنى على يقين بأن القارئ سيقوم باستيعاب ما بكتاباتى ليتأكد أننى لم أغفل أمرًا لا من قريب أو من بعيد ينتج عنه قصور فى البحث .. كل هذا أقوله بوضوح لأننى أعلم أن عقل القارئ قادر على أن يرتب الأمر بتسلسله الطبيعى والذى يستطيعه بتلقائية كاملة دون الحاجة إلى تسلسل أو تبويب منى .. والحمد لله رب العالمين .. أقول ذلك لأغلق كل أبواب النقد العتيق القاصر على التقييم بالروابط الحدثية القائمة والتسلسل المتوقع أو المنتظر والمنهج السردى وعدم البعد عن مسار الحدث .. ولأعطى لنفسى وللقارئ حق الشرود الفكرى للإغراق فى كل ما يصادفنا من أبعاد .. أو التوقف المفاجئ لرؤية بعد جديد يمكن أن يقودنا إلى عمق نرى منه جديدًا يثرى وجودنا كبشر وهذا هو الهدف الأسمى لكل ما نبتكر وكل ما نكتب .. بعد هذه المقدمة اقرأ ما تجده فى كل أوراقى .. فأنا أقدم لك سيدى القارئ الحاصل المعرفى فى أطباق ملونة وربما مختلفة الأجحام والأعماق أيضًا .. ليس مهمًّا ألوانها أو سعتها ولكن المهم هو المحتوى الفكرى فيها .. فأنا أكتب للحياة بكليتها التى نتعايش معها بكليتنا الفكرية والإنسانية وكل الماديات المشكلة لها.