جرائم الحاسوب والإنترنت
لقد صاحب الثورة الصناعية وخاصة في مجالي الاتصالات والبحوث العلمية المتنوعة ثورة معلوماتية كان لها الأثر الكبير على حياة الناس العامة والخاصة. ولتبادل هذه المعلومات استخدمت وسائط عديدة لنقلها وتناولها بين الدول، فكانت الإنترنت الوسيلة الرائدة في هذه الوسائط معتمدة في ذلك على الحاسوب. ولقد أصبح هذا الأخير بمثابة العمود الفقري لأنشطة الإنسان في كافة المجالات والأمكنة، لدى جميع الدول المتقدمة والنامية. ولقد تم استعمال الحاسوب والإنترنت في مجالات عديدة منها: وسائل النقل والاتصالات والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والأمن وآليات الحرب والسلم، ورغم أن استعمال الحاسوب والإنترنت قد جلب للبشرية منافع لا حصر لها، مع ذلك نجده في الجانب الآخر قد ساهم في انتشار جرائم ومخاطر اجتماعية بالغة الضرر على الفرد والمجتمع وعلى الدولة نفسها في بعض الحالات. وكنتيجة حتمية للسلوك البشري الذي قد يميل للانحراف أحيانا واللجوء إلى سوء استعمال الوسائل المتاحة لديه، ظهرت جرائم جديدة لم يتناولها القانون الجنائي التقليدي ولا القانون المدني من قبل، نسبة لحداثة هذه الظاهرة وما تطرحه من صعوبات قانونية من حيث النص القانوني المجرم للحادثة ومدى صلاحية تطبيقه في المجالين المكاني والزماني، بالإضافة إلى الاختصاص القضائي وصعوبة التحقيق وجمع الأدلة في هذا النوع من الجرائم. حيث قد ترتكب جريمة عبر الإنترنت خارج بلد إقامة المجرم. وعليه نجد أن جرائم الإنترنت تسجل ضد مجهول في أغلب الأحوال ولو اكتشف هذا المجهول فمن الصعب محاكمته أو إقامة الدليل عليه.
وهذا ما جعل جرائم الحاسوب والإنترنت في أعلى قائمة المشاكل العصرية لدول العالم مما دفعنا للبحث في هذه الظاهرة الجديدة لمعرفة أسباب انتشارها وكيف تعامل معها القانون، وسن لها تشريعات تتضمن وتحدد ما يعتبر جريمة وفرض للعقوبة الرادعة للحد من هذه الجرائم وتشخيص الصعوبات التي تواجه تطبيق هذه القوانين نسبة لحداثة الإنترنت والحاسب الآلي ونقص الإلمام بهذا المجال إن لم نقل جهله وخاصة في الدول النامية. فجرائم الحاسوب والإنترنت - ظواهر إجرامية تقرع أجراس الخطر لتنبه مجتمعنا عن حجم المخاطر والخسائر التي يمكن أن تنجم عنها، خاصة أنها جرائم ذكية تنشأ وتحدث في بيئة إلكترونية أو بمعنى أدق رقمية، يقترفها أشخاص مرتفعي الذكاء ويمتلكون أدوات المعرفة التقنية، مما يسبب خسائر للمجتمع ككل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية. وإذا كان مجتمعاتنا العربية لم تتأثر بشكل كبير من مثل هذه الظواهر الإجرامية، إلا أن هناك دولا عربية كثيرة أضحت مهتمة بتلك الظواهر، ومفهومها القانوني، وقد حاولنا أن نتعرض لها بشئ من التفصيل في تلك الدراسة محاولين أن نضع ولو لبنة صغيرة في الإطار التنظيمي والتشريعي في تلك المسألة.