قصيدة النثر العربية المعاصرة بمنظور ذرائعي
هل قصيدة النثر تحدٍّ عصري لقصيدة القريض العربي
أم عقوق وليد لأبيه....!؟
كتابة الرمزية بطريقة تجريدية لقصيدة النثر، قدرة ليست سهلة التمكن، وأنت سيدتي عبير خالد يحيي، تجيدين التنضيد بشكل عجيب، وتعاملك مع ملامح القصيدة النثرية بشكل حرفي يعجز عنه اللسان، وتلك هي ما تكمن في تحييد السباق بين الشكل والمضمون، وهي الحيرة التي تسكن سوق الأدب الذي لا يجيد سكانه ملامح قصيدة النثر، وبدلًا من أن يكتبونها كفنّ عربي جميل حطّموها بالتشظّي بالأفكار وشخصنة الآراء بالأنانية والتيسيب، فكل يكتب رأيًا وينسبه لنفسه دون النظر في هذا الجنس الرائع الممدّد على طاولة التشريح، ينتظر ولادة نفسه المتشظّية بين الألسن والآراء المشخصنة:
- قسم يمزجها مع ملامح القصيدة المترجمة ويجردها من الشكل كون التعرية الترجمية، بحدّ ذاتها، تجريف للجمال في الشكل، فحين تجرّف القصيدة من الجمال تفقد شاعريتها وتصبح نثرًا تقريريًّا لا قيمة فيه، سوى مضامين من الحقائق الواقعية التي تتصل بالمنطق والتقرير العلمي، وتلك هي جماعة سوزان برنار- كما أشرت - وغيرهم مِن مَن تولّوا ولادة هذا الجنس بشكل غريب لا يمتُّ بصلة لما يكتب الآن من روائع تجاوزت إنكارهم له في أفكارهم المسجلّة بشكل معكوس يناقض الواقع فيها.
- وقسم جعلها لغة سردية، وأعطاها اسمًا جديدًا وملامحَ لا تمتّ بصلة للغة العربية، أي جعلها معولًا حطّم فيه لغة القرآن التي خلقها الله كلغة متفرّدة في سعة التعبير لتحمل قوة قرآنه، لكن أصحاب هذا الفكر الهدّام عمل على تجريم هذا الجنس حين وضعوا المعول بيده ليحطّم الوسيط الجميل الذي يسكن فيه، بعد أن أعطوها ملامحَ هدّامة تتلخّص بتجريدها من الموسيقى، الإسفين الحديدي، الذي يفصل بين السرد والشعر.
- وقسم لم يكتفِ بما سبق ودأب على تجريدها من لغتها في الشكل اللغوي وإقامة حدّ التجريم عليها بمسح حدودها اللغوية حين فرض عليها عدميّة الشكل بطرد أدوات التنقيط منها، وتلك جريمة أدبية لغوية تكبِّر في عقول من يفهم الأدب سوداويةَ السريالية، وتتجاوزها نحو تهديم أركان اللغة العربية بطرد الشكل وإبقاء المضمون فحسب، ولغة العرب هي سباق دائم بين الشكل والمضمون ...