من مشكاة النبوة عمرة الحديبية
إن من أسباب البشر والانشراح أن يسعى الإنسان إلى الاجتهاد البصير ويدلف في وجلٍ إلى رحاب روضة عهد الرسول الكريم فيما يتعلق بالأعمال السياسية والدبلوماسية والتي ترأسها الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمر بتنفيذها، فأسست لأخلاقيات الحق وثقافة المعنى الإنساني في أرقى صورة وأنبل غاية إنها أخلاقيات الحكمة والسياسة في عهد الرسول الكريم.
ورغم ما استشعرت من رهبة نحو جلال موضوع البحث وعظمة أخلاق صاحب السيرة النبوية إلا أنني وجدت المؤلف قدم الاجتهاد وخطا خلفه؛ يبحث عن هذه الومضات الأخلاقية الخالدة، لأن فيها ما يرضي العقل والشعور ويمنحك من خصبها خصبًا ومن ثروتها ثروة ومن قوتها قوة؛ ولا يستقر في قلبك المعنى والمنهج حتى يتصور في صورة قلبك أو يصور قلبك في صورته وفرق كبير بين من يتحدث عن هذه الأخبار إلى العقل على أنها حقائق يقرها العلم وتستقيم لها مناهج البحث ومن يقدمها إلى القلب، والشعور على أنها مثيرة لعواطف الخير صارفة عن بواعث الشر معينة على احتمال أثقال وعنت الحياة.
فإذا اتصل الخبر لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المؤلف قد رده إلى مصدره ليستطيع من شاء أن يرجع إليه، حتى لا يحتمل في ذلك تبعة لأنه لا يذهب فيه مذهبًا خاصًا إلا أن يكون تبسيطًا في الشرح والتفسير واستنباطًا للعبرة والوصول بها إلى قلوب الناس.
ومن مقتضيات المنهج العلمي في البحث أن تجرد نفسك من كل رأي وعقيدة لفترة مرحلية محدودة وهي فترة البحث وأن تبدأ بالملاحظة والموازنة والترتيب، ثم التفكير والتقدير وعرض الأدلة والبرهان، ثم تهذيب الأدلة وتمحيصها وتحليلها حتى يستقر ويطمئن الضمير إلى النتيجة، فلا طريق للمعرفة إلا بالبرهان وهو إن كان نوعًا من أنواع القياس إلا أنه يجب أن تكون مقدماته قطعية حسية أو منتهية إلى الحس أو مدركة بالبداهة على أساس ما هو معروف بالمنطق.
المخاطب في هذا البحث هم غير المسلمين والمسلمون لأن المقصد والغاية هو الوصول إلى نتيجة علمية دون أن يتسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها، وهذه الطريقة العلمية هي: أسمى ما وصلت إليه الإنسانية في سبيل تحرير الفكر وإطلاق العقل والتحاور مع المنطق، بل وترمي في بعض مقاصدها إلى التحاور مع الآخرين في يسر وسماحة بعد الاحتكام إلى العقل كحكم والبرهان كأساس للعلم.
والباحث يجد المصادر تختلف فيما بينها في الأحداث اختلافًا لا يحتمل التوافق والتوحيد، فقصد إلى سبل الترجيح المؤكدة، واستمسك بما ترجح بعد التدقيق دون أن يفضي ذلك إلى التطويل المذموم.
وقد لجأ المؤلف أثناء البحث إلى استخدام الصيغة التي كُتبت بها معاهدة الحديبية، حتى يفيد القارئ في سرعة الاستيعاب ويسر التعليل والفهم، وقد اجتهد في البحث عن الحق للحق ذاته وعن المعرفة للمعرفة نفسها، مراعيًا التمحيص في الاستنباط والأمانة في الحكم، فله منا كل التقدير.