مباحث في العقيدة الإسلامية
فإنه من الواجب على كل مسلم أن يتعلمَ ما تصحُّ به عقيدتُهُ وما يستقيمُ به عملُهُ، وأن يتعلم ما أمره اللهُ به فيأتيه، وما نهاه اللهُ عنهُ فيجتنبه، وما أخبر الله به فيصدِّقه، وعلى هذا ينبني الفلاح وتتحقق النجاة، وبه تتحصل السعادة في الدنيا والآخرة.
وقد كان من أعظم وظائف الرسل الدعوةُ إلى توحيد الله U وبيانُ العقيدة الصحيحة التي يجبُ على المؤمنِ العلمُ بها، والعملُ بمقتضاها، والدعوةُ إليها؛ إذ صحة الاعتقاد شرط في قبول الأعمال.
ومما يعاني منه مُسلِمو اليوم - ويُعَدُّ سببا من أسباب تأخرهم وتخلف النصر عنهم - قلةُ الاهتمامِ بدراسةِ العِلمِ الشرعي عامة وأركانِ العقيدةِ الإسلاميةِ خاصة؛ حيثُ أصبحَ المسلمُ يشغلُهُ في يومِهِ وحياتِهِ كثيرٌ من الاهتماماتِ المتنوعة، ليس من بينها الاهتمامُ بتحصيلِ العلمِ الواجبِ الذي يُصحِّحُ بِهِ عقيدتَه، ويستقيمُ به عملُهُ.
ومن ناحية أخرى كانَ لِمَا اشتملت عليه كتبُ العقائدِ من عرضٍ لآراءِ المتكلمين، وما أُدْخِلَ على أصولِ الدِّيْنِ ممَّا ليس منها أثرُهُ السيء في الجهلِ بأصولِ الإيمانِ التي تضمنها الكتابُ والسنةُ، حتى شاعَ بينَ الدارسينَ أنَّ دراسةَ علمِ العقيدةِ أمرٌ صعبُ المرتقَى بعيدُ المَنَالِ؛ لظنهم أنَّ علمَ العقيدةِ هو هَذهِ الشبهاتُ العقليةُ، وتلكَ الردودُ التي صِيْغَت بِمصطلحاتِ الفلسفةِ اليونانيةِ على النحوِ الواردِ فِي كتبِ علمِ الكلامِ.
وقد اطلعت على المعايير الأكاديمية لمحتوى برامج بكالوريوس الدراسات الإسلامية، والصادر عن الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي بتاريخ 1437هـ، فألفيته على درجة كبيرة من الدقة والجودة؛ إذ اشتمل على المفردات التي ينبغي الإحاطة بها لطالب العلم الشرعي عامة وطلاب الدرسات الإسلامية خاصة.
وفي أثناء إعدادي لتوصيفات مجالات العقيدة والفرق والأديان لبرنامج الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة بيشة، وجدت صعوبة في اختيار الكتاب المناسب الذي يغطي معايير هذه المجالات، وما اشتملت عليه من مؤشرات الأداء، فاستخرت الله U واستعنت به I في الكتابة في هذه المجالات، ملتزمًا بالمعايير ومؤشرات الأداء التي حددتها وثيقة الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي سالفة الذكر، غير أني ربما قدمت وأخرت في عرض هذه المؤشرات لمناسبة التأليف بينها، ويحسن بمدرس المقرر تكليف الطلاب ببعض الأنشطة المصاحبة الداعمة للمادة المعروضة، وقد أشرت إلى بعض المواضع في ثنايا الكتاب.
وقد حرصت في الاستدلال على المسائل المعروضة بالأدلة الصحيحة من كتاب الله U وسنةِ نبيهِ e فإن فيهما الهدى كل الهدى، وهما أمان للأمة من الضلال، وعصمة من التفرق والاختلاف، ومسائل العقيدة في الأعم الأغلب مسائل غيبية لا مجال للعقل فيها، وإن كانت متوافقة مع المعقول الصريح؛ لذلك حرصت في بعض المواضع على الاستدلال بالأدلة العقلية التي تؤيد صحة العقائد الإيمانية، وتحاشيت غالبًا ذكر ما لايحتاج إليه الطالب المبتدئ في دراسة العقيدة من أقوال الفرق والمذاهب والردود عليها.
وليس هذا تقليلا لأهميةِ دراسةِ أقوالِ الفِرقِ والمذاهبِ والردِّ عليها؛ إذ مَعرِفةُ عقائدِ الفرقِ الضالةِ ووزنِها بالكتابِ والسنةِ من عظائمِ الأمور، وإنَّما أردت أن أبينَ للطالب العقيدةَ الصحيحةَ من الكتابِ والسنةِ أولا، فإذا فهمها واستوعَبَهَا تدرجنا معه إلى ذكرِ أقوالِ الفرقِ والمذاهبِ المخالفةِ لها، وكيفيةِ الردِّ عليهم، وإبطالِ الشُّبَهِ التي احتجوا بها. وهو ما سنتعرض لدراسته إن شاء الله في مادة الملل والنحل والتي ندرسها على مستويين:
الأول : في الفرق الإسلامية. والثاني: في دراسة الأديان بأنواعها.
ولا ننصح أبناءنا بدراسة أقوال الفِرَقِ والمذاهبِ قبلَ تعلم العقيدة الصحيحة من القرآن والسنة النبوية الصحيحة؛ فإنَّ هَذا يورثُ الشكوكَ والأوهامَ ولا يُحَصِّلُ اليقينَ.
وقد استقيت مادة الكتاب من أمهات الكتب القديمة والمعاصرة، مع صياغتها بأسلوبٍ سهلٍ قريبِ المنال، يناسبُ طلاب المرحلة الأولى لأقسام الدراسات الإسلامية والشريعة وأصول الدين واللغة العربية، ولا يستغني عنه مَنْ عَدَاهم من الطلاب الذين تجاوزوا هذه المرحلة.