عقيدة الإمام مالك
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد:
لقد كتبت عن منهد الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في العقيدة، وفصلت في منهجه، وأزلت كثيرًا من الملابسات التي كانت تنسب إليه؛ مما لم يصح، مع مخالفته للعقيدة الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان من الأئمة الأربعة وغيرهم.
وحاولت من خلال ذلك الكتاب أن أربط بين عقيدة السلف وعقيدة الإمام مالك - رحمه الله تعالى -، فجاء البحث طويلًا قد يصعب من خلاله معرفة الصحيح من عقيدته.
لذا رأيت أن ألخص ذلك البحث في هذا المختصر؛ الذي اكتفيت فيه بذكر ما صحت نسبته من عقيدة الإمام مالك - رحمه الله تعالى -.
كما أنني رأيت أن ألحق بهذا المختصر «عقيدة الإمام مالك» لابن أبي زيد القيرواني - رحمه الله تعالى -، والتي ذكرها إجمالًا في مقدمة كتابه: (الجامع)، وذلك لأن ما كتبه ابن أبي زيد يتفق مع ما أثبتُّه في هذا المختصر.
? وهذه خلاصة النتيجة التي توصلت إليها من خلال البحث في منهج الإمام مالك في العقيدة:
! أولًا: السيرة العظيمة لهذا الإمام في طلبه للعلم وتحصيله والصبر على ذلك، والاجتهاد في أخذه من أهله مع إخلاص النية مما كان لذلك الأثر العظيم في بلوغه درجةً عليا فيه، فصار معلِّمًا وإمامًا يقتدى به، ويقصده طلاب العلم من كل مكان؛ للاستفادة من علمه، وأدبه، وما ذلك إلا لأنه كان على منهاج السلف في طلب العلم وتعلمه.
! ثانيًا: اعتصامه الشديد بالكتاب والسنة، وتحكيمهما، والعمل بهما في أصول الدين وفروعه.
! ثالثًا: حضُّه على الاتباع، وتحذيره من الابتداع، وقد كان من أشدِّ الأئمة ذمًّا وتحذيرًا من البدع وأهلها وبيانًا لخطورتها.
! رابعًا: نهيه عن التقليد، والتعصب للرأي المجرد عن الدليل من كتاب أو سنة.
! خامسًا: ذمُّه للمراء والجدل والخصومات في الدين، وتحذيره من علم الكلام،وأصحاب الأهواء، والبعد عن الخوض في آرائهم التي لا يندرج تحتها عمل، مع هجرهم، وعدم مكالمتهم أو مجالستهم.
! سادسًا: في باب معنى الإيمان: قرر عقيدة السلف في جميع فروعه، وهي:
أ - أن الإيمان قول وعمل.
ب- أنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية؛ وهذا هو القول الذي اشتهر عنه الموافق لمنهجه في العمل بالكتاب والسنة، واتباع السلف الصالح.
ج- استحباب الاستثناء في الإيمان.
د- التفريق بين الإيمان والإسلام.
هـ- أن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب؛ فإنه يوم القيامة تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه برحمته، وإن شاء عذبه بعدله، ونهايته دخول الجنة.
! سابعًا:وفي باب الإيمان بأسماء الله وصفاته: قرر منهج السلف من القول بإمرارها كما جاءت، وذلك بالإيمان بمعانيها، وعدم الخوض في كيفيتها، أو تأويلها.
وأما ما نقل عنه من قوله: (إن الإشارة باليد عند ذكر الصفات تعني التشبيه) هذا لم يثبت عنه، وإن صح ثبةته عنه؛ فيدخل في باب سد الذرائع الذي هو من الأمور التي كثيرًا ما يلجأ إليها الإمام مالك حمايةً للتوحيد.
! ثامنًا: شدّةُ محبته للنبيِّ ^، وتعظيمه، وتعظيم سنته، والذي كان من ثمراته:
1- عدم سماع أحاديثه ^ إلا ممن ثبت أنه من أهل الحديث.
2- شدة انتقاده للرجال، والتحري عن حال من يروي الحديث عن النبي ^؛ لعظم الكذب عليه ^.
3- الحرص على عدم التحديث إلات على طهارة، وحسن هيئة.
4- تعظيمه لمدينة الرسول ^.
! تاسعًا: عدم ثبوت ما نسب إليه من جواز التوسل بالنبيِّ ^.
! عاشرًا: الإيمان بما ورد في الإيمان باليوم الآخر ومقدماته، وعذاب القبر ونعيمه والجنة والنار، وأنهما مخلوقتان موجودتان الآن.
! حادي عشر: الإيمان برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بأبصارهم.
! ثاني عشر: الإيمان بالقدر خيره وشره، والرد على الجبرية والقدرية، والإنكار على من يتَّكل على القدر، أو يحتج به في ارتكاب المعاصي.
! ثالث عشر: تجويزه لتعليق التمائم إذا كانت من القرآن إذا كان بعد نزول البلاء، وهو رأي عدد من العلماء من السلف وغيرهم.
! رابع عشر: قوله بكفر من سب الله أو سب رسوله ^، ووجوب قتله، وهو الذي عليه إجماع الجمهور، وكذلك الحكم في زوجاته ^.
! خامس عشر: محبته لأصحاب رسول الله ^، والاعتراف بفضلهم، وموالاتهم، والاستغفار لهم.
! سادس عشر: تفضيله للخلفاء الراشدين الأربعة بحسب ترتيبهم في الخلافة، وعدم صحة ما نسب إليه بخلاف ذلك.
! سابع عشر: قوله بكفر وقتل من يسب الصحابة ش أو تأديبه وتعزيره، وعدم تكفيره. أما التكفير إذا كان السب يصل إلى القدح في عقيدتهم أو عدالتهم، كاتهامهم بالظلم أو الفسق أو نحو ذلك، وهذا وجه تكفير الإمام مالك وغيره من السلف للروافض.
وأما إذا كان السب لا يصل إلى ذلك، كوصفهم بالجبن أو البخل، أو محبة الدنيا، أو قلة الزهد ونحو ذلك؛ فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره، وعلى هذا يحمل قول مالك وغيره من السلف بتأديب وتعزير من سب الصحابة ش.
! ثامن عشر: عدم تكفيره للفرق الضالة من أهل الأهواء والبدع والكلام، إلا الروافض - كما تقدم في الوجه السابق -، والقدرية المنكرة للعلم، والساحر المدعي علم الغيب.
! تاسع عشر: عدم ثبوت ما نسب إليه من إجازته لسماع الغناء وبطلان ذلك، فضلًا عن مخالفته للمشهور من مذهبه، ومنهجه السلفي.
ومن أراد التفصيل؛ فليرجع إلى الأصل في الكتاب المشار إليه: (منهج الإمام مالك ظ في العقيدة)