العرب بين الصراع وأطماع دول الجوار
هذا الكتاب يتكلم : أن المنطقة العربية تعيش في دوامة من الصراعات المتشابكة والمتوالدة عقدا تلو الآخر حتى بات حلم السلام في هذه المنطقة صعبا ويخضع لدراسات وبحوث معمّقة تحاول فهم طبيعة النزاعات ودور التدخلات الخارجية التي تتغذى من هذه الصراعات الممتدة وتغذيها لتغيير موازين القوى ورسم خرائط جيوسياسية جديدة لا تأبه للإستقرار في دول المنطقة. وما يهمنا هنا علاقات الجوار دائما ما كانت جزءا من نظرية العلاقات الدولية في عمومها، وضمن هذا الإطار قامت علاقات تبعية بين الجيران إذا ما كانت موازين القوى مختلة لصالح طرف بعينه، وعداء عندما كان التوازن بدرجة أو بأخرى متكافئا أو أقرب إلى التكافؤ، أو تعاونيا يصل إلى حد التكامل والوحدة كما حدث في إطار التجربة الأوروبية , وفي العموم فإن ما يحكم علاقات الجوار هو الجغرافية السياسية، والتكوين القومي، وتوازن القوى، ودرجة الاعتماد المتبادل , وفي الواقع فإن حقيقة "الجوار" خلقت تاريخيا علاقات طويلة وكثيفة سياسيا واقتصاديا بين الكيانات السياسية المختلفة في المنطقة قبل وجود الدول الحديثة التي نعيش في ظلها الآن , ومع العلاقات كانت هناك تداخلات ديموغرافية وحضارية ودينية بأشكال مختلفة، زادها تعقيدا في العصر الحديث التداخل مع الغزوات الاستعمارية الخارجية .وفي العموم فإن العالم العربي كان دائما محاطا بثلاثة هضاب تاريخية تكونت على واحدة منها القومية الفارسية، والثانية هضبة الأناضول التي تكونت عليها القومية التركية (العثمانية)، والثالثة الهضبة الإثيوبية التي وضعت على هضابها الأقلية "الأمهرية" وهي بذور قومية إثيوبية لا تزال في طور التكوين المتعدد الأعراق. وقد لعبت القوميات الثلاث تاريخيا أدوارا مختلفة , لقد كانت شعوب المنطقة تتطلع عبر تلك الانتفاضات إلى بدء مرحلة تعاف تخرجها من المسار الصراعي التاريخي المزمن، فإذ بها على العكس تكشف أزمات انتقلت من حالة الكمون إلى حالة العلن لتخلق نمطا من “متلازمة الضعف” للدولة والمجتمعات في آن واحد ¸انها تسويات مستعصية. و لم يكن صعود المجتمعات على حساب الدول، مع بداية الانتفاضات، سوى مظهر مؤقت لم يدم طويلا، إذ سرعان ما بزغ التشرذم، الذي عرضها لإستقطابات حادة تلاقت مع نظيرتها السياسية والعسكرية المنقسمة في تحالفات سياسية – مناطقية، مما أسهم في صعود وعسكرة قوى الانتماءات الأولية الدينية، والطائفية، و المناطقية، والقبلية.. وغيرها”.