بنو سليم فى بلاد العرب
فكَّرتُ مليًّا أن أجمع تاريخ وتراث بني سُلَيْم العدنانيين في مصنف واحد ليكون في متناول أبناء قبائل بني سُلَيْم في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، ليتمكن جميع من رآه أو سمع عنه أن يقتنيه ويقرأ ما فيه ليُسهِّل عليه معرفة كل شيء عن هذه القبيلة العريقة، سواء نسبها الرفيع أم تاريخها المجيد عبر الحقب والعصور، أو عن أعلامها من الصحابة والقادة والفرسان والشعراء ليكون هؤلاء العظماء قدوة بهم يقتدي كل ذي عقل لبيب.
وأُوضِّح للقارئ العزيز أن بني سُلَيْم بالوقت الحاضر شعب عظيم يقطن في جزيرة العرب وفي مصر وشمال إفريقيا (بلاد المغرب العربي).
ومن بني سُلَيْم تكونت قبائل حملت أسماء كثيرة في جزيرة العرب أو في مصر أو بلدان المغرب.
إلا أن بعض قبائل سُلَيْم في الحجاز ما بين الحرمين بالمملكة العربية السعودية هي الوحيدة التي احتفظت باسم القبيلة الأم (سُلَيْم)؛ ويقال لواحدهم (سُلَميّ).
وعن بني سُلَيْم في المشرق العربي (جزيرة العرب) فهم أقل بكثير ممن نزح إلى الديار المصرية في أواخر القرن الرابع الهجري، ثم إلى بلاد المغرب العربي قبيل منتصف القرن الخامس الهجري.
وقد شبَّهتُ سُلَيْم كبعير رأسه في جزيرة العرب وجسده كله خارجها في مصر وشمال إفريقيا؛ وشتَّانَ بين حجم الرأس وبقية الجسد بالنسبة للبعير.
فلو حصرنا بني سُلَيْم الآن في المملكة العربية السعودية وبعض بلدان الخليج العربي لن يتجاوزوا المائتين وخمسين ألف نسمة على الأكثر.
ولو حصرنا بني سُلَيْم في مصر وليبيا وتونس والجزائر بالوقت الحاضر لزاد عددهم عن خمسة عشر مليون نسمة على أقل تقدير.
وعن نزوح معظم قبائل بني سُلَيْم إلى الديار المصرية بعد عام 583هـ (أواخر القرن الرابع الهجري) فكان بترحيب الخليفة الفاطمي، كما هو معروف في التواريخ أن الخليفة قد أراد كسبهم مع أبناء عمومتهم بني هلال من هوازن، وقد رغب في استقطابهم في مصر ليكونوا له قوة ومددًا على أعدائه بعد أن عرف بأسهم إبان تأييدهم للقرامطة ومعارضة الدولة العباسية، وتهديدهم للقاهرة في هجمات عديدة ضمن جيش ابن قرمط.
ولما جاءت الكثرة الغالبة من بني سُلَيْم من الجزيرة العربية إلى الديار المصرية بأمر من الخلافة الفاطمية، وخَلَت معظم ديارهم في الحجاز ونجد سكنتها قبائل أخرى عدا بعض المواضع بين الحرمين ظل بعض بطونهم يقيم بها حتى الآن.
ومكث السُّلَميُّون؛ وأبناء عمومتهم الهلاليون ومن تبعهم من أرومتهم من بعض بطون هوازن، وكذلك من تبعهم من بعض بطون غطفان وفهم وعدوان (قيس عيلان)، أو المعقل (مَذْحِج القحطانية) في ربوع وادي النيل لمدة تزيد عن نصف قرن.
وقد عُرِفَ لبني سُلَيْم طبيعتهم الخشنة وشراستهم التي اشتهروا بها في الجزيرة العربية؛ إذ كانوا يتطاولون على الناس والقبائل بالشر ويدخلون الأسواق في الحجاز ويأخذون أسعار ما فيها كيفما شاءوا، وكثيرًا ما يقطعون الطرق على القوافل والسابلة وينتهبونها، وتُجرَّد عليهم الجيوش من الخلافة العباسية في بغداد لتأديبهم أو تخضيد شوكتهم دون جدوى كما ذكر الطبري وابن خلدون وغيرهما من المؤرخين، وقد تداعى بهم الأمر إلى تكرار الهجوم على المدينة المنورة وهزيمة من فيها من القرشيين والأنصار وغيرهم.
وكانت بنو سُلَيْم أشد عنفوانًا من بني هلال في جزيرة العرب، وتأتي بعدهم في الشغب قبائل هوازن خاصة بني عامر منها، ثم قبائل غَطَفان مثل فزارة وعبس.
لذا فطباع بني سُلَيْم ظلت كما هي وأكثرهم بادية عندما حلَّوا بمصر ومثلهم بني هلال، وقد ضجَّت البلاد والعباد بمصر من هؤلاء البدو المشاغبين، ثم جاءت الفرصة الذهبية عام 442هـ لوزير الخليفة الفاطمي المستنصر، ويسمى أبو محمد الحسن بن علي اليازوري الفلسطيني الأصل، وكان رجلاً داهية، فأشار على الخليفة المستنصر بالله الفاطمي بعد أن تمرَّد عليه المعز ابن باديس من بني زيري الصنهاجيين أحد الولاة في تونس، ورفع شعار السواد الخاص بالدولة العباسية في بغداد، أشار عليه أن يصيد عصفورين بحجر واحد وهو أن يضرب ابن باديس الصنهاجي ومن معه من ملوك البربر في شمال إفريقيا في تونس والمغرب الأوسط (الجزائر) بهؤلاء البدو من بني سُلَيْم وبني هلال، وهم على ما فيه من الغلظة وقوة الشكيمة وشدة البأس، فإن هزموا ملوك البربر على رأسهم ابن باديس يكون المراد من رب العباد، وقد تخلصت مصر من هؤلاء البدو المشاغبين على مدار أكثر من نصف قرن، وفي الوقت نفسه يستريح الخليفة من الولاة المناوئين والمعارضين له المتمردين على سلطة الخلافة الفاطمية في القاهرة، وإن هزم ملوك البربر هؤلاء البدو وشتتوا شملهم فلا ضير، ولها ما بعدها، والله يفعل ما يريد وما قدَّره للعباد.
واستحسن الخليفة المستنصر رأي وزيره اليازوري، وقرر أن يُرحِّل أولاً بني هلال لسماعه برغبة شيوخهم من زمن في غزو تونس لجمال مراعيها وقلة سكانها، وقد كان بنو هلال يتخبَّرون هذه البلاد خلال وجودهم بمصر ويرسلون جواسيس منهم ليعرفوا عنها كل شيء، وقيل كان على رأس هؤلاء الفارس الصنديد أبي زيد بن رزق بن نايل من الأثبج الهلاليين، وكان في عمر الكهولة حينئذ، وقد استعان ببعض أبناء الهلاليين من ذوي قرابته لمرافقته لتحسس البلاد التونسية، ويسميه بنو هلال "أبو مخيبر" لخبرته الكبيرة عن هذه البلاد التي أغلب سكانها من قبائل الأمازيغ (البربر) القوية البأس صعبة المراس.
وقد قرر الخليفة أن يعطي طليعة المقتحمين لبلاد المغرب لكل فارس بعير ودينار هدية له إلى جانب علف كافٍ لحصانه يُبلغهُ هذه الديار مع قومه. وكتب اليازوري إلى ابن باديس في المنصورية بالقيروان عاصمته الأولى قبل المهدية (في الديار التونسية)، قال: "لقد أنفذنا إليكم خيولًا فحولًا عليها رجالًا كهولًا ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا". وقال الخليفة الفاطمي مخاطبًا شيوخ وفرسان بني هلال: "لقد أبحتُ لكم جواز النيل وأعطيتكم بلاد المغرب ومُلك ابن باديس العبد الآبق فلا تفتقرون".
ونُعلِّق هنا على ما قاله اليازوري وزير الخليفة الفاطمي في رسالته لابن باديس: "أرسلنا إليكم رجالاً كهولاً"؟.
والإجابة: لأن فرسان وزعماء بني هلال المعروفين في الحجاز ونجد كانوا في ريعان شبابهم حين قدومهم لمصر أواخر القرن الرابع الهجري، وقد ظلوا عشرات السنين (أكثر من نصف قرن) في ربوع الديار المصرية، وقد تحولوا من شباب إلى كهول يزيد أكثرهم عن السبعين ربيعًا، وبعضهم قارب الثمانين، ومن بينهم أبي زيد، ودياب بن غانم، والحسن بن سرحان، وغيرهم من رجالات وفرسان الهلاليين وقتئذ.
وتاريخ الغزو والزحف من مصر على بلاد المغرب كان عام 442هـ، وانتشر الهلاليون كالجراد في فضاء برقة كما قال ابن خلدون -رحمه الله، وقد خربوا عمران برقة ودمروا المدينة الحمراء وكذلك إجدابيا وأسمرا وسرت، وتركوا برقة قاعًا صفصفًا أقفر من بلاد الجن، وطمسوا من الحسن رونقها، وأزالوا معالمها واحتطبوا شجرها واستباحوا أهلها.
وحتى لا يتباطأ بنو هلال في اقتحام القيروان عاصمة الزيريين في تونس وما بعدها من بلاد المغرب الأوسط (الجزائر الحالية) التي اقطعها الخليفة أيضًا لهم سلفًا، وعلى رأسها قسنطينة العامرة، وقد خص بها الحسن بن سرحان الدُرَيْدي من بني دُرَيْد من الأُثبج الهلاليين، وكان يُسمى سلطان البوادي، قام الخليفة المستنصر بتحريض بني سُلَيْم في مصر باقتحام المغرب في إثر بني هلال في العام التالي وهو عام 443هـ، وقد أباح لهم جواز النيل أيضًا ولكن بشرط أن يعطوا الدولة عن كل فارس منهم بعير ودينارين كي يعوض ما أعطاه لبني هلال، ولسماع بني سُلَيْم انتصارات أبناء عمومتهم الهلاليين في برقة ومشارف طرابلس صارت لهم رغبة قوية في الغزو وترك وادي النيل وعقدوا العزم على اقتحام بلاد المغرب وتدعيم بني هلال ضد قبائل البربر.
فلما دخل السُّلَمِيُّون برقة ومنطقة الجبل الأخضر فضَّل أكثرهم الإقامة في هذه البلاد والسكن بها مع بعض أتباعهم من عبس وفزارة من قبائل غَطَفان، أما معظم غَطَفان فقد ظلت بمصر وبعضها اتجه للسودان إلا فروعًا منهم رافقوا بني سُلَيْم في غزو برقة وطرابلس من الديار الليبية وقتئذ.
قال ابن خلدون: كان بنو سُلَيْم وحلفاؤهم من رواحة (عبس) وفزارة قد استباحوا إقليم برقة، ولم تبق قرية ولا مدينة إلا وإمرتها لأحد مشايخهم، وقهروا من بها من قبائل البربر وصيَّروهم عبيدًا لهم في خدمتهم، يفلحون لهم الأرض ويزرعونها، وأتوا بتجار من اليهود لنقل البضائع من الأقطار إليهم في تلك الديار، فعاشوا في رغدٍ من العيش في هذه البلاد.
ثم بعد فترة وجيزة زحفت بعض قبائل سُلَيْم على إقليم طرابلس وزاحموا من أقام من بني هلال في هذه الديار، فلحق الهلاليون بمن سبقهم إلى تونس والجزائر، ثم بعد مدة استقدم السلطان الحفصي على أرض تونس بوادي سُلَيْم القاطنة في إقليم طرابلس ليضرب بعض بطون رياح الهلالية بهؤلاء الفروع السُّلَمِيَّة من عوف؛ وهكذا كان، فقد نجح السلطان الحفصي أن يخرج الدواودة من رياح من البلاد التونسية ليدخلوا مع الهلاليين صحراء المغرب الأوسط (الجزائر) لترتاح منهم البلاد والعباد بعد أن تطاولوا على الدولة وفرضوا الإتاوات على القرى والضواحي والسابلة.
ثم تنافس السُّلَمِيُّون فيما بينهم في السيطرة على البلاد والبوادي التونسية بعد نزوح معظم بني هلال للجزائر، وقامت حروب بينهم كما ذكر ابن خلدون في تاريخ العبر، وقد أدى ذلك إلى نزوح بعض فروع بني سُلَيْم إلى شرق الجزائر مجاورين بني هلال من فروع الأثبج ورياح وتابعين لسيطرتهم بعد أن تركوا قومهم في تونس.
هكذا تمرَّس بنو سُلَيْم وبنو هلال لأكثر من قرنين بين مد وجزر في الديار المغاربية فتارة كانوا مع السلاطين من الحفصيين وغيرهم من البربر في شمال تونس وشرق الجزائر، وتارة ضد هؤلاء الحكام مناوئين لهم يفرضون سيطرتهم على الضواحي في أطراف المدن والقرى بالأرياف من سكان السهول والوديان.
وأما التنافس فكان تارة بين بني هلال وبني سُلَيْم في السيطرة على ديار هنا أو هناك، وتارة فيما بين الهلاليين بعضهم البعض أو السُّلَميين فيما بينهم أو بين قبائلهم على مناطق النفوذ، وتارة أخرى نرى السُّلَمِيين والهلاليين مُتَّحدين متعاضدين في بعض الأحيان لمصلحة مشتركة أو ضد عدو مشترك لهما.
وعلى أية حال يرجع الفضل بعد الله تعالى لبني سُلَيْم وبني هلال ومن تبعهم من بعض بطون قبائل قيس عيلان أو المعقل من مَذْحج في تعريب المغرب الأمازيغي، فعرب الفتح قبل قدوم الغزو الهلالي السُّلَمِي لتلك الأصقاع كان عددهم قليلاً، كذلك بقايا فروع الأشراف الذين أقاموا دولًا مثل الأدارسة والسليمانيين ومثلهم بني الأغلب (الأغالبة) من بني تميم من مُضَر العدنانية الذين أقاموا دولة أيضًا أو إمارة كبيرة بتونس والجزائر وليبيا - في عهد الخلافة العباسية - كانت بقاياهم لا تزال محدودة في وسط قبائل البربر حينئذ.
إذن فلولا هذه القبائل البدوية السُّلَمية والهلالية وأتباعهم التي أقامت بالمغرب العربي لتغلَّب اللسان الأمازيغي على هذه البلاد، ولما كانت هذه البلاد الآن ضمن الوطن العربي، لربما بقيت إسلامية ولكن ما كانت لتكون عربية العرق واللسان كما هي الآن.
وقبائل بني سُلَيْم ومثلهم بني هلال ما زال قسم كبير منهم على بداوتهم وخشونتهم في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب حتى الوقت الحاضر.
وقد أشار ابن خلدون إلى أن هذه القبائل تنبع صلابتها وقوتها من قربها إلى البداوة والحياة الخشنة، وبعدهم عن الترف والحضارة والسكن في الدور والقصور والانغماس في الرفاهية من نعومة المأكل والملبس، وإنما حياة هؤلاء في البراري وأطراف الصحاري في بيوت من شعر وصوف الأغنام يظعنون بها من مكان إلى آخر؛ يتبعون القطر والمراعي لأنعامهم في السهول والوديان، وهم على صهوات ومتون الخيل لا يبرحونها إلا لتناول قسط من النوم والراحة، وطعامهم من ألبان الإبل والغنم ولحومهما لا تضرُّ أجسادهم؛ لأنهم لا يأكلون إلا عن جوع وإذا أكلوا لا يشبعون من شظف العيش الذي هم فيه، فبطونهم ضامرة مثل بطون خيولهم، لذا تجدها سريعة وثَّابة في ساحة الوغى والحرب والطعان.
ولقد أُعجب جمهور العرب ببني هلال وملاحمهم، وكذلك ببني سُلَيْم في بلاد المغرب العربي وحاكوا أساطير وحكايات عن غزوتهم الكبرى لتلك الأقطار المغاربية بشمال أفريقيا إبان القرن الخامس بعد الهجرة؛ لماذا؟
والإجابة هي: لأن قبائل البربر (الأمازيغ الأحرار) كما يُسمُّون أنفسهم، من أكثر الأمم إباءً للضيم وأكثرهم بطشًا وإقدامًا، فقد ضُرِبَ بهم المثل في البطش، فيقال: (هجمة بربرية أو أعمال وحشية بربرية)... نسبة إلى البربر هؤلاء... وكان بأس قبائل البربر قويًا في زمن الفتوح العربية الإسلامية في زمن الخليفة عثمان، ثم في عهد الدولة الأموية لهذه الأصقاع، فقد أنهك البربر جيوش العرب المسلمين وكبَّدوا العرب خسائر في الأرواح في وقعات كثيرة، وفتكوا بأحد قادة الفتح المشهورين هو (عُقبة بن نافع الفهري القرشي) وقتلوه في نواحي بسكرة شرق الجزائر مع جندٍ له أثناء عودته من المغرب الأقصى.
ولم يستقر الإسلام في بلاد المغرب إلا بعد مرور سبعة عقود من الزمان، بعد صولات وملاحم عظيمة من الجيوش العربية مع البربر ومن عاونهم من الروم (البيزنطيين) في كثير من النواحي، ولما أن قسمًا من البربر مثل العرب أهل بوادي يعيشون حياة البداوة -من أهل الوبر- وعندهم الفرسان الأشداء والخيول الوفيرة مثل العرب فقد كانوا أهل حميَّة ونجدة ونخوة، وأكثر قبائل البربر البدوية هي زناتة ولواتة وهوارة، ويرى بعض المؤرخين أن جذورها يمانية دخلت مع القائد القحطاني اليماني إفريقش المسماة باسمه إفريقيا قبل الإسلام إلى تلك الديار المغاربية، ثم تبربرت مع قبائل البربر الأصلية القديمة.
ولو قارنَّا هؤلاء البربر بالدول العظمى في صدر الإسلام مثل الفُرس والروم لوجدناهم أقوى وأكثر بسالة وإقدامًا؛ لماذا ؟
لأن العرب وقادة الجيوش الإسلامية في زمن الفتوحات اجتاحوا بلاد فارس، وقوَّضوا دولة آل ساسان من الأكاسرة وحطَّموا جيوش الفُرس في عدة سنوات وهم وقتئذ القوة العظمى على ظهر الأرض، وكذلك هزموا الإمبراطورية الرومانية في سنوات قلائل، وطردوا الروم من الشام ومصر بعد معارك طاحنة، ولم يستطع هؤلاء الروم الوقوف ضد الزحف العربي الإسلامي رغم أنهم حشدوا مئات الآلاف من الجنود بعتاد كبير أضعاف ما عند العرب المسلمين وقتئذ.
إذن هنا يجب ألا نستهين بالبربر الأمازيغ سكان بلاد المغرب وقتئذ، فقد كان قتالهم للعرب خلاف الفُرس والروم، وكان الكر والفر مع العرب قرابة سبعين عامًا.
ونعود إلى بني سُلَيْم بن منصور، وبني هلال من هوازن بن منصور؛ فكلاهما من منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان.
وحقًّا كما أسماهم سعيد الأندلسي المؤرخ في القرن السابع الهجري (بنو منصور)؛ وهم اسم على مُسمَّى، فالنصر دائمًا حليف لهم على من عاداهم، ولم يستطع البربر رغم شراستهم وضراوتهم دفعهم عن البلاد المغاربية... بل أطلق البربر على هؤلاء البدو اسم (المتوحشون) لأنهم وجدوا أنفسهم لا طاقة لهم معهم... هذا خير برهان على أن هذه القبائل البدوية كانت فعلاً أسطورة من الأساطير.
وكان ابن سعيد المغربي الأندلسي المؤرخ في القرن السابع الهجري معجبًا بهذه الأرومة العربية القيسية المضرية العدنانية من بني هلال وبني سُلَيْم، فقال: كلاهما يقال لهما بنو منصور؛ ثم يؤكد تلاحم هذه القبائل ضد الغريب عنهما ولمن عاداهما فيقول: إذا صرخ صارخ للحرب مع أحدهما أو كلاهما ونادى: (يا بني منصور) في شمال إفريقيا؛ اجتمع له نحو مائة ألف فارس على متون الخيل، وإذا صرخ صارخ للحرب في جزيرة العرب لمن تبقى من أرومتهم هناك؛ اجتمع له خمسين ألف فارس على صهوات الخيول.
وكلام ابن سعيد هنا يؤكد أنه لا يوجد في العرب في زمانه قبائل أكثر جموعًا ولا أشد بأسًا من هؤلاء المنتمين إلى سُلَيْم وهوازن ابني منصور، من قيس عيلان، من مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان، من ذرية نبي الله إسماعيل ابن خليل الله إبراهيم -عليهما السلام.
وفى ختام المقدمة أقول: حيَّا الله بني سُلَيْم، وحيَّا كل سُلَميٍّ أصيل على ظهر البسيطة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد سليمان الطيب