وجنّ الليل

عندما يقوم المصوِّر بالتقاط صورة عليه أن يقف بعيدًا عنها، أن يُخرج نفسه من "كادر" أو محيط الصورة، ويقف بعيدًا؛ وهو يفعل ذلك لكي يرى ملامح الصورة جيدًا، و يضبط التفاصيل التي ربما يعجز من هو داخل محيط الصورة أن يعيها، أو أن يفطن إلى كيفية ضبطها على الوجه الأمثل ..

وتلك الصورة مماثلة إلى حد كبير إلى طبيعة إدراكنا للمعاني والأفكار التي تنساب علينا طيلة الوقت، فوجودنا داخل معترك الحياة يُلهي الكثيرين منا عن التقاط تلك المعاني المنسابة المتدفقة، فننشغل بالتفاصيل والجزيئات، ونلتفت إلى الوقائع والحركات والإجراءات .. كل ذلك في غفلة عن الكنه والماهية، عن الحكمة والماورائية .. أي باختصار يجذبنا الجزء، ويبعدنا عن الكل ..

وفي ذلك خطر أن تمر علينا الحياة بلا إدراك واقعنا الحقيقي، فنغفل عن سبب الوجود، كما نغفل عن أهم الأدوار، فينفرط عقد الحياة والعمر، قبل أن يزين صاحبه بجميل الأفعال وعظيم الأعمال ...

وهذا هو ما يحدو بنا في تلك "المجموعة القصصية" أن نستوقف المعاني، ونعرضها في حال من التجريد، يسمح بتفحصها والإلمام بالأغوار غير الظاهرة منها، والتي سرعان ما تتركنا وترحل في خضم الحياة المتلاطم بزحام الأفعال ..

نلتقط صورة مجسمة للمعنى، ونتوقف مليًّا نتفحصها لننتبه لما تغفله أعيننا في تعرضنا العابر، ومرورنا السابق على المعنى مرور الكرام ..