نسيمات من عبق الروضة
قصرٌ عظيم .. مهيب الجانب .. ممتد الأطراف .. شامخ الطول.. إن دخلته أمنت نفسك.. وإن أوغلت فيه تسللت الطمأنينة والسكينة في أعماقك..وإن أمعنت فيه دَاخَل الحب والسعادة قلبك وروحك. فإذا نسجت من طعامه خلايا فكرك وروحك سلم قلبك من كل سوء، وحافظت على سلامته فكنت ممن فازوا بالقلب السليم الذي هو شرط الفوز بالحياة الآخرة.
ذاك القصر ليس محجوباً عن أحد.. فالدعوة عامة .. من غير قيد أو شرط إلا أن تكون مسلماً. ولك أن تمكث فيه ماشئت فالإقامة فيه بالمجان، بل ويكافئك كلما أحببته وأقمت فيه.
طبعاً قصرٌ بهذه المواصفات ضربٌ من الخيال في هذه الحياة الدنيا.. لكنه ليس كذلك، إنه واقع حقيقي.
إنه قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث وأذكار .. كلما أمعنت نظرك، وفتحت قلبك وعقلك تفكّراً أخذ بشغاف قلبك ولبّك من شدة عظمته وكثرة نفعه.
وإني أتقدّم بتواضع وخجل وحياء شديدين أن تخط يدي خطرات، وتسطر تجربة ضئيلة مع أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواقف الحياتية. إنما دفعني لذلك روعة ما رأيت، وجمال وبهاء هذه الكنوز وارتباطها بحال قلب المسلم الصحيح في كل موقف.
وإن تتبع هذا الرابط بين كلمات الذكر ومناسبتها للحال القلبي السليم الذي ينبغي للمسلم أن يكون عليه في الموقف، هو الذي شجعني لتسطير هذه الإضاءات.
وكأنه صلى الله عليه وسلم يأخذ بيدك في كل موقف حياتي ليدلّك على الحال الذي يجب أن يكون عليه قلبك كي تكون ممن (من أتى الله بقلب سليم)، ولكي تكون في حرز وأمن وأمان من الشيطان ومن أهواء النفس اللذين يأخذاك بعيداً عن هدفك.
إنّ هذه الأذكار لتبرمج المسلم وهو يرددها وتغيّر من حاله وترتقي به، شرط أن يحافظ على تردادها ويتفكّر في معانيها ويحاول التمثّل بها.
إنها حصنٌ للمسلم وأمان له في هذه الدنيا التي كثرت ملهياتها ومغرياتها حتى غدت الغفلة مرض هذا العصر المزمن.
كما أنها ترفع الإنسان من الجو الأرضي لتحلّق به في أجواء السماء الرحماني، وتلحقه في مصاف الذاكرين وتبعده عن وهدة الغافلين.
يقول الله تعالى: (واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون).
ويقول تعالى: (والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغرفة وأجرًا عظيمًا).
هذا الرابط المتين بين معاني الأذكار وتوافقها مع الحال السليم لقلب صاحبها، يمثل الجواب الكافي والبلسم الشافي إن سأل سائل نفسه تُرى ماذا علي أن أتصرف في هذا الموقف دون أن أتعرض لسخط الله؟ وما هو الحال الذي ينبغي لقلبي أن يكون عليه حتى يسلك السلوك الصحيح والرد السليم فأنجح في هذا الامتحان عند رب السماء؟
فتأتي الرحمة المحمدية والرعاية الربانية في تسريب الجواب ضمن معاني الذكر الذي علمنا إياه حبيب الرحمن، ومعلم الناس الخير، وهادي البشرية للصراط المستقيم.
إلا أن كل هذه النفحات والفيوضات الربانية والآثار الإيجابية للأذكار لا يمكن أن يبلغها المرء إلا بتحقق شرطين: الأول التعمق في معنى الأذكار وإحياء هذه المعاني في القلب عندما يرددها اللسان والثاني المواظبة عليها وتكرارها عند حدوث الموقف.
عندئذٍ فقط يحصل المراد من هدف هذه الأذكار التي طالبنا بها الحبيب صلى الله عليه وسلم أن نرددها. فيظل القلب سليماً والسلوك منضبطاً وفق الصراط المستقيم، فيصبح الإنسان أهلاً يوم القيامة أن يكون من الفائزين، والذين هم فقط أصحاب القلوب السليمة كما قال الحق جل جلاله في كتابه العزيز (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم).
و إني أرجو من الله عز وجل أن يتقبّل هذا العمل المتواضع بخير ما تقبّل به عمل عبد من عباده الصالحين، ويجعل فيه إحياءً لأذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجديداً لعبق الحب الأصيل للحبيب الحقيقي الذي لا يموت ولا يفنى.
وأتوجه إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بخجلٍ وحياء، علّه يكون عربون حب، ويد ولاء تمس يده الشريفة مبايعة محبة، عليّ أجد دفأها عند أول لقاء معه صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة.
وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم ومن تابعه إلى يوم الدين.