النحو وبناء الشعر في ضوء معايير النصية
إن بناء نظرية نصية عربية لن يحدث بتولية الوجوه قِبَل الفكر الغربي، ولكنه رهنٌ باستحضار التراث والغوص على لآلئه واستخراج كنوزه، لا أقول هذا ادِّعاءً، ولا تخرُّصًا وأحاديثًا ملفَّقة، ولكني أقوله بعد أن طالعت وقرأت فلم أظفر من برينكر ودي بوجراند وفان دايك وأشياعهم إلا بما حرَّره ابن جني وابن هشام وعبد القاهر وعلماء العربية على اختلاف عصورهم؛ لا لقصور في النظرية الأجنبية أدَّعيه، ولكن لأن انطباقها على اللغة العربية والإبداع العربي لن يحدث إلا بمباركة من تراثها العتيد، الذي لم يترك شاردة ولا واردة، وهو أمرٌ يحتِّم علينا الرجوع إليه؛ لنبني على الأصول، ونعيد تكوين تراثنا مصبوغًا بروح العصر واتجاهاته.
ومن الأمور التي راعيتها في هذا الكتاب: معايير النصية المختلفة، والتي منها: القصد، وسياق الموقف، والإعلامية، والتناص، رغم أن البنية المنهجية له خاصة بمعياري: السبك والحبك، حيث العلاقات الملفوظة بين المباني والملحوظة بين المعاني.
وقد جاءت دراستي هذه ـ رغم أنها تطبيقية في الأساس ـ مثقلة بأعباء التنظير المتشبث بالتراث والمتمسك به، والباحث في ثناياه عن أساس يغني عن الدراسات الغربية، أو يتضافر معها ليقدِّم نتاجًا له نكهته العربية الخاصة، ولهذا أقدِّم هذا الكتاب لكل باحث مهتم بعلم النص وتطبيقاته، وأساليب التحليل اللغوي للنصوص، آملاً أن يلتقط ذلك الاتجاه ويبني عليه، لعلنا في النهاية نصل إلى نظرية نصية عربية.