حركة النحو الكبرى في الشعر - قراءة أسلوبية في ديوان الخليل

عزيزى القارئ

     يتناول هذا الكتاب - الذى بين يديك -  قراءة جديدة لبنـاء الجملة العربية بصفة عامـة والجملة فى الشعــر بصفة خاصة ، وذلك فى ضوء السمات الأسلوبية وخصائص التراكيب التى تُحَلِّل وتُفَسِّر شكل العلاقة بين المبانى والمعانى ، وكيفية التعبير فى ضـوء ما أسفر عنه التفكير ،  فيما يُعْــرَف بحركة النحو الكبرى فى الشعـر ؛ تلك الحركة التى تجعل الغايات والدلالات الأساس الذى تنطلق منه نَحْوَ بناء الجُمَل والتراكيب ، فتحذف حين يستدعـى المقام الحذف وحينئذٍ تكون البلاغة الإيجاز ، وتزيد عندما يتطلب السياق الإطناب ووقتها تكــون البلاغة فى الإسهاب ، وتلتزم الترتيب الأصلى لعناصر الجُمَل حينما لا توجد أسباب لتقديم أو تأخير ، وتُقَدِّم وتُؤَخِّر حينما يستلزم الأسلوب ذلك ، وتلجأ للفصل والاعتراض لخدمة الدلالة ، وقد لا تلجأ .

     تلك هى حركة النحو الكبرى فى الشعرالتى تركز على الدلالات بوصفها الغايات ، مـن حيث توظيف ما يُسَمى ( عـوارض التركيب ) من حـذف وزيادة وتقديـم وتأخير وفصـل واعتراض فى خدمة المعنى وتوضيح السياق وجلاء المراد والإفصاح وتمام الإيضاح .  

     وفى الشِّعـر – بصفة خاصـة – يتضح الأمر أكثر وتبدو ملامحه أكثر وضوحًا ؛ لأن الشعر له خصوصية تفوق النثر من حيث الوزن والقافية والتصريع وبناء القصيدة ، الأمــر الذى يجعل الشاعر فى حِلٍّ من أمره فى بعض قواعد اللغة ، ويكون فى أشد الاحتياج مــن الناثر فى التحلل من بعض القيود الظاهرية واللجــوء إلى عوارض التركيب ، اعتمادًا على الضرورة الشعرية والرُّخص الممنوحة له .                  

     واعتمادًا على ذلك ، فإن الكتاب الحـالى يحاول إلقــاء الضوء وإفسـاح الطريق أمام الدراسات الأسلوبية والقراءات الجديدة للغة الشعر ، فى محاولة جادَّة لتحليل النص الشعـرى فى ضوء الأسلوبية وخصائص التراكيب ، مع التطبيق على ديوان شاعـر من أهـم شعراء العصر الحديث ، ألا وهو شاعر القطرين - بل والأقطار العربية جمعاء -  ، الذى يُعَدُّ واحدًا من أهم الشعراء البيانيين فى العصر الحديث والذين استخدموا اللغة الرصينة وحاولوا توظيفها أدق توظيف ، من أجل خدمة المعانى والاهتمام بالدلالات ، ألا وهو خليل مطران.

      ويسير الكتاب فى عرض مادته العلمية ومحتواه الفنى من خلال تقديم وتمهيد ، ثم أربعة فصول تمثل أهم عوارض التركيب ، وأخيرًا خاتمة وفهارس تخصصية ؛ حيث يعرض التقديم لأهمية الكتاب ،  بينما يتناول التمهيد التعريف بخليل مطـران ، ثم توضيح العلاقة بين النحو والدلالة ، وتتناول الفصول الأربعة عوارض التركيب المخالفة للتركيب الأصلى لبناء الجملة : التقديم والتأخير ، والفصل والاعتراض ، والحذف ، والزيادة ، وتأتى خاتمـة الكتاب للإشارة إلى أهم النتائج التى تم التوصُّل إليها .

       وإننى إذ أقـدم هذا الكتاب للقارئ الكريم ، أرجو أن يكون التوفيق حليفى وأن أعرض خلاصة فكرى كما تمنيتُ ويصل إلى القارئ كما أردتُ ، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يجـد فيه القارئ مأربه العلمى الذى يبحث عنه ، كما أرجــو أن يكون إسهامة وخطوة – أو حتى مجرد لَبِنَة -  فى الأسلوبية وعِلْم التراكيب اللغوية .