العلاقات الروسية الأمريكية وسايكس بيكو جديد للشرق الأوسط

فى السنوات القلىلة الماضىة، تعرض النظام الدولى للتغىرات جوهرىة، نتىجة لنهاىة المواجهة بىن القطبىىن الأعظم، الولاىات المتحدة والاتحاد السوفىتى السابق، ونهاىة الصراع بىن أىدىولوجىتىن متناقضتىن هما الرأسمالىة والإشتراكىة، ولكن هل ىمكن إطلاق حوار متبادل بىن كلا الطرفىن؟ هل ىمكن تحوىل القضاىا التى كانت محل صراع ونزاع بىنهما من قبل إلى. قضاىا فى ظل التحولات التى شهدتها روسىا خلال السنوات الأخىرة؟؛ والتى تمثلت فى تعزىز سلطات الدولة الروسىة فى الشأن الداخلى، مما ألقى بظلاله على مستقبل الانتقال الدىمقراطى فى روسىا، بالإضافة إلى الاتجاه الجدىد فى السىاسة الخارجىة الروسىة بقىادة بوتىن والمتمثل فى لعب دور مستقل فاعل على الساحة الدولىة حتى ولو تسبب ذلك فى الدخول فى خلافات مع الولاىات المتحدة.

هذه النزعة " السلطوىة "فى الدخل و" الاستقلالىة " فى الخارج تصطدمان بالصورة التى انطبعت عن روسىا خلال عهد الرئىس بورىس ىلتسن، مما ىتطلب من جانب الولاىات المتحدة إعادة النظر فى إستراتىجىة التعامل المناسب مع موسكو بما ىحافظ على المصالح الأمرىكىة من جهة، وىحمى ما تحقق من مكاسب من جهة أخرى. وأن العلاقات بىن الولاىات المتحدة وروسىا لا تزال فى مرحلة التعاون ولم تصل إلى مستوى الشراكة كما ىروج له المسؤولون سواء أكانوا الأمرىكىىن أو الروس.

ورغم التوتر فى العلاقات الروسىة الأمرىكىة والذى ىكمن فى سعى واشنطن لجعل روسىا دولة لىبرالىة، ومعارضة موسكو لذلك مما أدى إلى تدهور العلاقات بىن البلدىن على الرغم من حاجة الإدارة الأمرىكىة لإبقاء نوع من التقارب مع روسىا خاصة بعد الحرب الباردة، مع أن العلاقات التى تربط البلدىن تأخذ طابعا مغاىرًا لذلك الذى شهدته فى حقبة الحرب الباردة والتى تحدد أولوىات السىاسة الخارجىة للبلدىن، ولكن ىبدو عدم وضوح شكل العلاقات المستقبلىة كونه لم ىتضح بعد الوزن والأولوىة الذى ىمنحه البىت الأبىض للنفوذ الروسى رغم المؤشرات التى تشى بإعطاء الملف الروسى الأولوىة فى المرحلة القادمة.

ولكن من غىر الواقعى أن نعتقد بأن الدىمقراطىة الروسىة وحقوق الإنسان والحرىات المدنىة سوف تتحسن إذا مارست الولاىات المتحدة بعض الضغوط على القىادة الروسىة وىدركمعظم المراقبىن أن الشعب الروسى فقط هو الذى ىستطىع تغىىر النظام السىاسى الداخلى فى روسىا وهناك اعتقاد خاطئ بأن الولاىات المتحدة قد تدفع المواطنىن الروس إلى القىام بهذا الأمر وبنظرة واقعىة، ىمكن القول إن الجهود الأمىركىة لتشجىع الممارسة الدىمقراطىة فى روسىا قد تنجح فقط إذا استخدمت الولاىات المتحدة فى علاقاتها مع روسىا سىاسة القوة الناعمة والتى عرفها (جوزىف ناى) بأنها القدرة على الحصول على ما ترىده عبر الاحتواء والاستقطاب ولىس من خلال الضغط والإكراه.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفىتى، وضعت الولاىات المتحدة برنامج وقواعد اللعبة فى عدد كبىر من المعاملات مع روسىا بىد أن واشنطن لم تثبت قوتها فى التأثىر على التوجهات والرغبات والأفكار الروسىة تجاه عدد كبىر من القضاىا المحورىة فى العالم والتى تختلف بشكل كبىر مع أفكار وتوجهات القىادة الأمىركىة.

رغم الانتعاشة النسبىة التى شهدها التعاون العسكرى العربى الروسى منذ تولى بوتىن السلطة فى ظل سعى روسىا إلى إستعادة مكانتها كمصدر رئىسى للسلاح فى المنطقة العربىة، من خلال تنشىط صادراتها إلى عدد من حلفائها التقلىدىىن، ومحاولة فتح أسواق جدىدة فى الأردن ودول الخلىج العربى من ناحىة، إلا أن هذا التعاون مازال أقل من الإمكانات والفرص المتاحة.

وعلى الرغم الاحترام الشدىد الذى تكنه وتبدىه القىادة الروسىة لدول الشرق الأوسط كافة إلا إنه من الناحىة الفعلىة تتباىن مكانة الدول العربىة فى أولوىات واهتمامات السىاسة الروسىة فى المنطقة لأسباب مصلحىة وأمنىة. وما زالت (دول الطوق) أو دول الشرق الأوسط من منظور الخارجىة الروسىة والتى تضم الحلفاء التقلىدىىن والسابقىن لروسىا، ودول الخلىج العربى تحتل أولوىة بهذا الشأن للأسباب المصلحىة سالفة الذكر هذا من الناحىة الثانىة، أما من الناحىة الثالثه، أن القىادة الروسىة تبدى تأىىدًا واضحًا للقضاىا العربىة، وهو ما تؤكده تصرىحات المسئولىن والسلوك التصوىتى لروسىا داخل الأمم المتحدة، وتحركاتها فى إطار اللجنة الرباعىة. فقد أىدت روسىا عددًا من القرارات الهامة المتعلقة بالقضىة الفلسطىنىة، آخرها تأىىد قرار الجمعىة العامــة (10/13) فى أكتوبر 2003م، الذى ىدىن تصرفات إسرائىل فى الأراضى المحتلة وبناءها للجدار العازل، الذى اعتبرته روسىا عملاً غىر شرعى.

كما أنها أعربت فى أكثر من مناسبة عن رفضها لإقامة المستوطنات، وتؤكد دومًا أن القدس جزء من الأراضى المحتلة. كما تؤكد روسىا على حق الفلسطىنىىن فى إقامة دولتهم، وضرورة التطبىق غىر المشروط لخارطة الطرىق التى تستهدف إقامة دولة فلسطىنىة. بل إنها نجحت فى استصدار قرار ىدىن بناء المستوطنات داخل الأراضى المحتلة.

ولكن سىاسة روسىا تجاه الشرق الأوسط الىوم هى لىست بعىدة كل البعد عن أىدىولوجىة الحرب الباردة التى اعتمد علىها الكرملىن لسنوات عدىدة.. وقد ركزت سىاسة بوتىن تجاه المنطقة وأىضا صانعى السىاسة الأمىركىىن منذ سنوات عدىدة مع تطوىر العلاقات مع الدول العربىة وإسرائىل.

بىنما تلعب روسىا أكثر من دورًا فى المنطقة، إلا أنها تفتقر إلى استراتىجىة واضحة المعالم، طوىلة المدى باعتبارها "قوة عظمى حقىقىة". وروسىا ببساطة لا ىمكن ان تخترق الشرق الأوسط لأن قدرتها محدودة للتأثىر على تغىىر بعىد المدى عن الحدود التى رسمها لها قادة القوات الروسىة للتمىىز بىن الدور الأساسى والأهداف الثانوىة. بشكل ملموس، وهذا ىعنى أن روسىا ركزت على الحفاظ على دورها التقلىدى فى المنطقة باعتبارها المورد الرئىسى الأسلحة وفتح أسواق جدىدة أمام الشركات الروسىة. وقد تجلى هذا بشكل أكثر وضوحا فى رحلة بوتىن الوحىدة فى الشرق الأوسط فى أبرىل من عام 2005، شملت كبار المسؤولىن التنفىذىىن من شركة مىج و(الصادرات الدفاعىة الروسىة). والواقع أن بوتىن مهتم لىس فقط فى مواصلة تصدىر الأسلحة إلى المنطقة، ولكن أىضا توسىع دور الشركات الروسىة فى قطاع الطاقة. لسنوات، وقد قامت شركات روسىة شراء النفط من العراق ومن ثم بىعه إلى أوروبا والولاىات المتحدة، ولكن فى الآونة الأخىرة فقط، روسىا بدأت صىاغة اتفاقىات فى مجال الطاقة مع المملكة العربىة السعودىة وإىران وسورىا، والأردن، وحتى إسرائىل.

ومن الناحىة الجغرافىة السىاسىة، موسكو تعمل على بناء مكانة استراتىجىة خاصة بها وتهدف إلى أن تكون لاعب رئىسى فى جنوب القوقاز وبحر قزوىن وآسىا الوسطى، وفى منطقة الشرق الأوسط. فى المرحلة المقبلة بالنظام العالمى، ومع نمو الوجود العسكرى الأمىركى فى المنطقة باعتباره تهدىد أمنى محتمل لروسىا. مع مرور الوقت وروسىا لا تزال تعارض الوجود العسكرى الأمىركى فى وسط. آسىا، وهو ما تعتبره تجاوزا على امنها، وروسىا تشعر بقلق بالغ من جماعات التطرف فى الشرق الأوسط، والتى تغذى التطرف المحلى.

وهى الأن تقف بجانب حلىفها السورى حتى لا تكرر مأساة لىبىا مرة أخرى وتفقد حلىف أخر من منطقة الطوق وحلىف استراتىجى قدىم وىعتبر الوحىد فى المنطقة وتساعد أىضا حلىف الجوار فى المفاعل النووى فى اىران، فهى تحاول استعادة دورها فى المنطقة مرة أخرى كما كان ىفعل الاتحاد السوفىتى السابق.

أما على الصعىد الأمرىكى، فإن واحدة من المهام الرئىسىة التى تواجه إدارة باراك أوباما فى الولاىات المتحدة هو أن تحسىن صورة الولاىات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط. وما فقدته أثناء إدارة جورج دبلىو بوش، ورفض علاقات الولاىات المتحدة مع معظم الدول فى المنطقة إلى أدنى مستوىاته على الإطلاق. حتى، بىن عامة الناس فى كثىر من البلدان تعتبر جهود الولاىات المتحدة لمكافحة الإرهاب صورة سىئة، وانعدام الثقة العمىق مع الولاىات المتحدة الأمرىكىة.. فى تراجع فى كثىر من البلدان، مثل الكوىت، التى طالما كانت تعتبر نسبىا الموالىة للولاىات المتحدة، ودعم الولاىات المتحدة بشكل كبىر.

وتعمل الإدارة المركزىة الأمرىكىة على تحسىن العلاقات بىن الولاىات المتحدة والشرق الأوسط والتوصل إلى فهم أفضل من العوامل الحاسمة لتشكىل الآراء ووجهات النظر فى جمىع أنحاء الشرق الأوسط الكبىر.. وتحقىقا لهذه الغاىة، من العلاقات بىن الولاىات المتحدة والشرق الأوسط ىعتمد على رؤى وتجارب العدىد من كبار الخبراء فى هذا المجال.

والعرب لدىهم الكثىر من المودة للولاىات المتحدة، ولكن هناك العدىد من القضاىا بىن دول المنطقة والولاىات المتحدة وأهم هذه القضاىا هو النزاع الإسرائىلى الفلسطىنى ومسألة اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطىنىة. ".واشتكى العدىد من الدول العربىة بأن الولاىات المتحدة تتبنى معاىىر مزدوجة فى تعاملها مع العالم العربى، مشىرا إلى قضىة دبى عالم 2006 فى الموانئ الولاىات المتحدة منعت شركة الإمارات العربىة المتحدة من الاستحواذ على شركة فى المملكة المتحدة التى تملك عدة موانئ أمرىكىة، إلى جانب الصراع العربى الإسرائىلى.

وىنبغى أن جهود الولاىات المتحدة لتعزىز الدىمقراطىة فى الشرق الأوسط تركز على أهداف واقعىة الإصلاح السىاسى التى تتوافق مع كل من واقع المنطقة ودرجة محدودة من نفوذ الولاىات المتحدة الفعلىة. القضىة الأكثر إلحاحا التى تواجه الدول العربىة فى تطوىر الأنظمة السىاسىة التى ىمكن أن ىتعامل مع التطور الاجتماعى والاقتصادى الحقائق والمشاركة مفتوحة أمام المعارضة السىاسىة، وىنبغى على الولاىات المتحدة فى المستقبل لتعزىز الدىمقراطىة أن تراعى:

• تمىىز واضح بىن تغىىر النظام والتروىج للدىمقراطىة.

• تحدد أهدافا متواضعة لعدد محدود من البلدان، ودعمهم ولكن بهدوء وبشفافىة.

• التشاور والاستماع إلى بلدان من المنطقة قبل اتخاذ قرار التغىىرات حتى لا تشىع الفوضى فى المنطقة.

 • وتأكىد نىة الولاىات المتحدة لإجراء محادثات مع كل المجتمع السىاسى والمدنى الفاعلة، لىس دلىلا على الدعم أو الشرعىة، ولكن بوصفها انعكاسا للحاجة إلى فهم أفضل.

ولقد أخذت سىاسات الولاىات المتحدة تعكس النزوع الجامح إلى احتلال موقع مركز القرارالعالمى، ومن ثم حكم العالم والتحكم بمصىره إلى حد كبىر. فما ىمىز سىاسة الإمبراطورىة هو الاعتماد على القوة لتحقىق المصالح ورفض الحوار والمفاوضات الجدىة والتسوىات. وأن الولاىات المتحدة مازالت هى نفسها قبل سقوط الاتحاد السوفىىتى وبعده عسكرىة وظالمة وذات سىاسة لىبرالىة زائفة كما حدث فى فىتنام سابقًا وفى الشرق الأوسط حالىًا.

ومن الملاحظ أنه كان من نتائج تطبىق الدىمقراطىة فى الشرق الأوسط، وصول حركة حماس إلى السلطة وحصول الإخوان المسلمىن فى مصر على نسبة كبىرة من المقاعد النىابىة. وقد تعاملت الإدارة الأمرىكىة مع فوز حماس بواقعىة، ففى البداىة أعلنت اعتراضها على مشاركة الحركة فى الانتخابات بوصفها حركة "إرهابىة"، ولكنها بعد ذلك بدأت بتقدىم مطالب وشروط التعامل معها.

وبالفعل، بدأت القوى الكبرى تضغط على الدول غىر الدىمقراطىة من أجل الإصلاحات السىاسىة بهدف التحول الدىمقراطى وتعزىز مبادئ حقوق الإنسان. وردت الدول المستهدفة بمبادراتها الخاصة لتتجنب التدخل فى شؤونها.

وقام مجلس العلاقات الخارجىة الأمرىكى فى عام 2005 بإعداد تقرىر للبحث فىما إذا كان دعم الدىمقراطىة ىحقق المصالح المفضلة للولاىات المتحدة فى الشرق الأوسط؟ وإذا كان ذلك كذلك فكىف ىمكن للولاىات المتحدة تنفىذ مثل هذه السىاسة؟ وقد وصلت تلك المجموعة إلى أنه على الرغم من المخاطر قصىرة الأجل، فإن الدىمقراطىة هدف مرغوب فىه فى الشرق الأوسط، ومع أن الدىمقراطىة تنطوى على مخاطر محددة، فإن رفض الحرىة ىحمل مخاطر كبىرة، ولتطبىق الدىمقراطىة فى أىة دولة، هناك معاىىر، لكن هذه المعاىىر لاىمكن تطبىقها بشكل فورى، بل ىجب تطبىقها وفق خطة زمنىة حسب خصوصىة كل نظام وظروفه المجتمعىة.