حاتم الوادي
إنه لمن دواعي السرور أن أُعدَّ هذا الكتاب الوثائقي الذي يحتوي على ترجمة لشخصية فريدة وعَلَم من أعلام المملكة العربية السعودية عرفتهُ عن قرب أثناء زيارتي لديار قبيلة الشرارات الكلبية العريقة في صيف 1432هـ في منطقة الجوف بشمالي المملكة.. وقد سمعتُ عنه الكثير والكثير من قصص الجود والكرم والسخاء من أبناء القبائل المجاورة لقبيلة الشرارات ومن الشرارات أنفسهم.. وحقًا ما لفتني وشد انتباهي هو تسميتهُ أو تلقيبهُ بـ (حاتم الوادي)، وقد عرفتُ وتيقنتُ أن هذا الرجل الهمام استحق بالفعل هذا اللقب بجدارة واستحقاق من قبل شعراء وشيوخ عدة من قبائل عربية عتيدة وقد اجتمعوا في لقاء مهيب وحفل رائع أقيم لهم في طبرجل على نفقة الشيخ سعيِّد بن جحليش (حاتم الوادي) تسانده كل أبناء الشرارات في استقبال عشرات الضيوف الذين لبُّوا الدعوة وحلُّوا في ديارهم عن طيب خاطر.
وحقًّا ما كان لهؤلاء الشعراء والأعلام أن تلتقي وجوههم وتتصافح أيديهم ويتبادلون التحية ويتعارفون لولا إصرار الشيخ سعيِّد بن جحليش على دعوتهم وتفانيه في كرمهم وإكرامهم بما يليق بهم في هذا اللقاء التاريخي الرائع الذي يزيد من اللُحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.
حقًّا كان من الأيام الخالدة التي لا تُنسى في منتصف شهر صفر من عام 1432هـ بالنسبة لسعيِّد وقومه الشرارات، وقد تسابق شعراء القبائل في مدح سعيِّد وقبيلته بأروع الكلمات المنظومة من ذلك الشعر النبطي وقدموا له هدايا تذكارية، وقد كان مجدًا وسؤددًا ليس لشخص سعيِّد بن جحليش فحسب وإنما لقبيلة الشرارات عن بكرة أبيها حيث تشرَّفَت بانتماء سعيِّد بن جحليش لأحد فروعها بعدما حاز كل هذا التقدير وبلغ هذه الشهرة في أوساط القبائل العربية.
ومن دواعي الافتخار أن أُطلق عليه من شعراء قبائل العرب المجتمعين لقب (حاتم الوادي).. ويعنون وادي السرحان الخصيب الذي عمَّره أبناء الشرارات الكلبيون بسواعدهم في هذا العهد السعودي الزاهر.
وسعيِّد بن جحليش الكحلا الشراري الكلبي في هذا العصر يمثل شخصية أو يقتبس اسم حاتم الطائي الذي كان يُضرب به المثل وما زال مضربًا للأمثال في الجود والكرم والسخاء؛ ويقال لمن بالغ في الكرم أن يقرن اسمه به فيقال ذلك «كرم حاتمي».. ومن المعروف أن حاتم الطائي من قبيلة طيئ القحطانية العتيدة ذات التاريخ التليد، وكان يسكن قرب جبلي أجا وسلمى وهما من جبال طيئ في منطقة حائل شمال نجد، وسميت هذه الجبال في عصور متأخرة باسم جبال شمَّر؛ وشمَّر من طيئ وغلب اسم هذه القبيلة على باقي قبائل طيئ التي لا تزال باسمها أيضًا في شمالي سوريا والعراق.
ومن حُسن الطالع أن يكون حاتم الثاني في عصرنا الحالي من فروع كلب بن وبرة تلك القبيلة القُضاعية العريقة التي ترتبط مع طيئ قديمًا بحلف وأصل قحطاني واحد. ولا يسعنا إلا أن نقول هنيئًا لسعيِّد بن جحليش على هذا اللقب الذي ناله والذي سيبقى وسامًا على صدره وتاجًا على جبينه مدى الدهر في حياته وبعد مماته ولأبنائه من بعده بل لعشيرته وقبيلته جمعاء.
وهنا في كتابي هذا أوثق سيرة هذا الرجل الكريم وما قيل فيه من مدح وثناء من شعراء قبائل العرب ستظل دائمًا وأبدًا من دواعي الفخر والاعتزاز له ولقبيلته حتى آخر الزمان إن شاء الله تعالى.
ولا يحتاج مني الشيخ الفاضل سعيِّد بن جحليش أن أقدم له إطراءً أو أُكيِّل له مديحًا بعدما قال فيه من هم أفصح مني لسانًا وأقوى مني بيانًا من هؤلاء الفحول من فطاحل الشعراء.. وكفاه فخرًا بذلك.