أبعاد إيمانية الجزء الثاني

هذا الكتاب .. لا يبحث عن الخطيئة .. فالخطيئة قائمة الوجود بوجود آدم .. وقائمة الاعتمال بوجود إبليس .. والذى يقف له طريقه المستقيم ليضله إلى حيث خطاياه .. ولكنى أبحث عن الإحسان الذى يقود إليه الهدى .. والذى يحققه الإيمان .. لا يمكننا أن نصل إلى أى منهم إلا بالإدراك الكامل لتعاليم السماء .. ولن ندرك تعاليم السماء إلا بفطرتنا التى نفخ الله فيها من روحه ليتكاملا فى أكبر نعمة أعطاها لنا الله .. وهى العقل والذى يتسع لملكوت الله ليدرك عظمة خالقه .. ويتسع لكل القدرات ليعرف قوة خالقه .. ويستطيع أن يبحر فى الماضى ويحلق فى الغد ليرى عظمة شأن الله فيه .. هذا الكتاب أعماق من الإيمان .. هو أبعاد من الإحسان متاحة لنا من فضل الله علينا .. كل نعمها حولنا وكل أسبابها أمامنا .. وكل الدوافع إليها مقروءة منَّا .. لا أستحدث جديدًا ولكنى آتى بكل جديد منها .. بتعمقى فيها .. ففيها كل جديد لم ندركه منذ خلقها الله .. وفيها جديد بتتابع خلق الله الدائم كل يوم .. لا يبتدعه أحد ولكن الله أوجده كما أوجد الزمن بثلاثيته الماضى والحاضر والمستقبل .. وليس فيه ما يستعصى على العقول وليس فيه ما يستهان بوجوده مهما صغر حجمًا وأثرًا وعمرًا .. كلمة حق تدعو الإنسان إلى التأمل أكثر فى ما يعلمه .. ويكتشف كل الخير والنقاء فى دواخله التى أبعده الشيطان عنها أو أبعدته حسابات الخطأ عن إدراكها .. كلنا تسكن فينا كل معطيات الله للبشر .. والتى أعطاها لكل منَّا بعدالة مطلقة .. يعلم أقدارها فى كل نفس .. والتى لا تتطابق مع نفس أخرى ولكنها تتساوى معها فى الاكتمال .. والدليل على ذلك أننا نتوافق تلقائيًّا مع كل صواب فطرى .. ولا يبتعد عنه أحد فينا إلا إذا كان الشيطان يزين له طريقًا أغواه فيه .. إن خضوع الإنسان للطبيعة أفقده كثيرًا من قدراته .. وأفقده شكليات تكوينه .. والتى تستطيع أن تكون كل الصور البشرية .. والتى تتجمع فى الصورة التى سجد لها كل الملائكة إلا إبليس .. .. خضوعنا للطبيعة أخضعنا للأرض أو الكواكب وتركناها تحكم حياتنا .. بكل ما فيها وما بها من متغيرات .. والتى استطاع الشيطان أن يعبث بها ليظل الإنسان الضال .. مسرفًا فى خطيئته غارقًا فى استسلامه لها .. والتى سخرت له ليحولها بضلاله إلى حاكمة لوجوده وتشكله .. وتوالت بعد نزول آدم رسالات السماء لتنبه الإنسان إلى سويته حتى لا يفقدها .. فمنهم من اتبع ومنهم من شرد .. وفى كتابى هذا أنا لا أدعو أحد إلى اتباع بعينه .. فلست نبيًّا ولا رسولًا .. ولست فقيهًا يبحث عن أتباع أو يريد أن يتبع .. ولكنى أقف فى حدود ذراتى الإنسانية متناهية الصغر أمام الكيان الإنسانى كله .. وأؤمن بوجود نور الله فى تكوينى .. وأؤمن بتوجيهات السماء وأؤمن بأن بداخلنا جميعا كون الله الذى خلقنا فيه .. ثم انزلنا من كونه إلى جزء منه وهو الأرض ..                             ﯬﯭ            [الأحزاب] .. وجاء الإنسان إلى الأرض بخطيئته مخرجًا من الجنة لخضوعه لإغواء الشيطان .. والذى طرد معه من الجنة إلى الأرض .. ليكون كل منهما بذريته بعضهما لبعض عدو .. الشيطان عدو للإنسان .. وبعض الشياطين عدو لبعضهم .. وبعض الإنسان عدو لبعضهم .. وهو تبعيض شامل للعداوة بين البعض والبعض فى كل أبعاضهم الممكنة .. بعضكم لبعض عدو تعنى شمول التبعيض للطرفين وكل بعضياتهم .. أنا لا أقرر هنا حقيقة فالحقائق يعلمها الله ولكنى أعرض بُعدًا إيمانيًّا أبحر فيه .. يخرجنا من عبودية الطبيعة إلى عبودية الله وحده .. وأن اعتبار قوى الطبيعة التى تحكم حياتنا كل لحظة هى توجيه من الله لها .. جعلنا نشركها فى خضوعنا لله .. هو صورة من الشرك الذى نهانا الله عنه وعلينا أن نتعامل معها على أنها مسخرة لنا .. نستطيع أن نضيف كل قواها لقوتنا .. ونستخرج منها كل ما يعيننا فى إعمار الأرض .. حتى غضبها من فيضانات ورياح وأعاصير يمكن أن تنتج لنا طاقات بناءة .. نحن نطوعها بقدرة الله فينا وهى العقل .. وألا نخضع لها أبدًا وإن عجزنا طلبنا من الله أن يخضعها لنا أو يزيل شرورها التى يمكن أن تحيق بنا أو يرحمنا إن كانت عقابًا لنا .. هذا هو الإيمان الحق بدون إشراك أيّ من القوى الكونية مع خالقها لنشركها فى عبوديتنا لله جل علاه .. أن إدراكنا العقلى لنعمة الله فينا يفرض علينا أن نحدث بها .. ومعنى أن نحدث بها أن نحسن العمل بها بكل ما تعطينا من اقتدار على ذلك .. حتى إننا نتباهى بنتائج التحديث بها .. وهو ما يدعونا أن نحسن أول ما نحسن فى فهم المقصد الإلهى من كل كلمة وكل حرف جاء فى رسالاته السماوية .. إحسان بنعمة الله فينا فى فضل الله علينا .. ومن هنا فإنى أبحر ما استطعت فى كل أعماق إيمانية يمكننى أن أصل إليها .. لأحدث بنعمة الله فى فضل الله والحمد لله رب العالمين.