عصر التقنية النانوية والرقائق الحيوية

قد كان التطور التكنولوجي الهائل هو السمة الفريدة في القرن العشرين الذي ودعناه قبل بضع سنوات ،و قد أجمع الخبراء على أن أهم تطور تكنولوجي في النصف الأخير من القرن الحالي هو اختراع إلكترونيات السيليكون ،فقد أدى تطويرها إلى ظهور ما يسمى بالشرائح الصغيرة أو الـ(MicroChips) والتي أدت إلى ثورة تقنية في جميع المجالات كالاتصالات و الحواسيب والطب وغيرها. فحتى عام 1950 لم يوجد سوى التلفاز الأبيض و الأسود ،وكانت هناك فقط عشرة حواسيب في العالم أجمع. ولم تكن هناك هواتف نقالة أو ساعات رقمية أو الانترنت ،كل هذه الاختراعات يعود الفضل فيها إلى الشرائح الصغيرة و التي أدى ازدياد الطلب عليها إلى انخفاض أسعارها بشكل سهل دخولها في تصنيع جميع الإلكترونيات الاستهلاكية التي تحيط بنا اليوم. 

و خلال السنوات القليلة الفائتة ،برز إلى الأضواء مصطلح جديد ألقى بثقله على العالم وأصبح محط الاهتمام بشكل كبير ،وهذا المصطلح هو "التقنية الحيوية",فهذه التقنية الواعدة تبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم والهندسة ويرى المتفائلون أنها ستلقي بظلالها على كافة مجالات الطب الحديث و الاقتصاد العالمي و العلاقات الدولية وحتى الحياة اليومية للفرد العادي فهي و بكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله وذلك عن طريق تقنية النانو والرقائق الحيوية من خلال صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها البعض بشكل لا نتخيله وبأقل كلفة ممكنة ،فلنتخيل حواسيباً خارقة الأداء يمكن وضعها على رؤوس الأقلام والدبابيس ،ولنتخيل أسطولا من الروبوتات النانوية الطبية والتي يمكن لنا حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية و الأورام والأمراض المستعصية.

تتلخص فكرة استعمال تقنية النانو في إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد في وضعها الصحيح ،وكلما تغير الترتيب الذري للمادة كلما تغير الناتج منها إلى حد كبير. وبمعنى آخر فإنه يتم تصنيع المنتجات المصنعة من الذرات ،وتعتمد خصائص هذه المنتجات على كيفية ترتيب هذه الذرات ،فإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الفحم يمكننا الحصول على الماس ،أما إذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الرمل وأضفنا بعض العناصر القليلة يمكننا تصنيع رقائق الكمبيوتر. وإذا قمنا بإعادة ترتيب الذرات في الطين والماء والهواء يمكننا الحصول على البطاطس. 

وما يعكف عليه العلم الآن أن يغير طريقة الترتيب بناء على النانو، من مادة إلى أخرى ،وبحل هذا اللغز فإن ما كان يحلم به العلماء قبل قرون بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب سيكون ممكنا ،لكن الواقع أن الذهب سيفقد قيمته !!.

أخيراً يمكن القول أن الإستفادة من التقنية الحيوية قد يعيقها بعض المشاكل من أبرزها التكلفة العالية نسبياً لتأسيس للمختبرات والتجهيزات مع الحاجة إلى قضاء وقت ليس بالقصير للوصول إلى مرحلة جني الأرباح, كما أن القيود التي تفرض من الدول مالكة التقنية أمام الدول النامية (لأسباب اقتصادية وسياسية) يؤخر انتقال التقنية إلى الدول النامية. عدم تدريس المواد الأساسية للتقنية الحيوية في المدارس والجامعات أحد أهم العوائق وهذا بدوره يؤدي إلى عدم كفاية الكوادر العلمية والفنية المؤهلة. عدم توافر الدراسات الكافية عن الموارد المتاحة وضعف عنصر المخاطرة الدى المستشمر يعيق إستثمار التقنية الحيوية. وأخيراً عدم الإدراك الشعبي والرسمي (الوعي الإقتصادي) يقف أحياناً حائلاً أمام هذه التقنية. 

إن التقنية الحيوية خيار ممكن الآن وقد لا يكون ممكناً في المستقبل.