أرحلى
لم تأتِ فكرة نشر هذه الفضفضة المنمَّقة، إلَّا قبل أشهر من تاريخ الطباعة، أمَّا قبلُ، فكانت كتاباتي مجرد بوح، أكتبه على ورقة فوق طاولة المقهى، وأتركها مع فاتورة الحساب وأغادر! أو أكتبها في أحد المطارات وأنا أنتظر موعد رحلتي، وما إن أسمع هذا النداء الأخير، حتى أهرول متَّجهًا إلى باب الطائرة، وأضعها في أقرب سلة مهملات! نعم حتى جيوب المقاعد التي أمامي ممتلئة بكتاباتي، أتركها فرحًا بوصولي وأغادر، كما أن بعضها في ذاكرتي التي لا تتسع لشيء، والبعض الآخر في أجهزة هواتفي التي أتلفها عند اقتنائي الجديد؛ ليت فكرة الكتاب كانت منذ زمن، لربَّما وجدت صفحات هذا البوح تتضاعف مرات ومرات!
ما زلت أؤمن أن الكتابة والإبداع، وقودَها المعاناة التي ما زالت تلح على تفاصيل حياتي، وقرار تجميع هذه الفضفضة في كتاب، هو مجرد أمل، في أن يقع هذا الكتاب يومًا في يدها؛ لتجده في إحدى المكتبات، أو لدى دار عرض، ويجذبها اسم المؤلف الذي يشبه اسمي، وعند قراءة أول صفحات الكتاب ربما ستقتنيه، لقد ظهرت في حياتي صدفة، واختفت بفعل فاعل، وليس لوصالها من سبيل.
اخترت حجم الكتاب حتى يتناسب مع حجم حقيبتها؛ ليبقى معها، أينما كنتِ (تأكدي ألَّا نصٌّ في هذا الكتاب يخصُّكِ) وأني لم أكتب إليكِ، لأنك ما زلتِ في زمن المستقبل المحال، لكنْ، سأبقى في انتظاركِ إلى الغد أو بعد غد، أو قد تأتين في اليوم الرابع عشر من الشهر الثاني من العام؛ أو عندما يكتمل البدر، أو أيَّة مناسبة أعلم أني على يقين بأنكِ ستأتين؛ لا أخشى الفشل في طرحي لهذا الكتاب، بقدر ما أخشى من المقربين مني أن يخدعهم تطفلهم؛ فيقومون بربط أحداث بعض النصوص ببعض الشخصيات في حياتي؛ رسالة إلى هؤلاء، كونوا جاهلين بي، أو الأفضل ألَّا تقرؤوا لي.