انست نارًا

التأمل مصيدة الأفكار، والأفكار ومضة نور ونار في الحلك، فإن لم تعد من تأملك الرزين بقبس أو ترجع منه بهدى وحكمة، فإن استغراقك فيه محض توحد وذهول وضرب من ضروب البلاهة والتوهان. 

والأفكار فراشات تحلق في فضاء الأسئلة، لا تلبث أن تحط في وردة استفهام حتى تطير إلى زهر التعجب، وهى في مراوحتها بين الهنا والهناك، وبين المدرك الملموس وبين اللا مدرك في الما وراء، تجيش البصيرة برؤية تتخطى البصر، وتدنو من كوكب الحكمة أو تحط في مداره، والحكمة ذرة تِبر وهباءة من ماس، إن اقتنصتها ولم تزدرِ حجمها أو تستخف بقدرها ومقدارها، فقد أمسكت بمفتاح الكنز. 

وبعد .. فإنه ليس أثقل على المرء من نقد يخلع الرداء عن عورة مواربة، ويزيح الغشاوة عن عين لتبصر عيبًا لا محالة واقع في النور طال الزمن أو قصر، عيب وعورة إن لم يتداركها الكشف قبل ضحى الأيام، فقد يدفع ثمنها أجيال وأجيال، وقد يستلزم تعديلها وإصلاح ما يتخلف من ورائها من فساد ردحًا من الزمن، وخاصة إن كان الأمر يتعلق بأمة من الناس أو وطن. 

في هذا الكتاب.. آنست نارًا.. لا نجزم أن كاتبه قد خاض في بحر الحكمة، أو حتى بلغ سواحله، حتى يزعم أن في السلة لؤلؤًا أو بقية من ألواح وعظ قديم، ولكن وبلا شك إن في هذا الكتاب شيئًا من جهد الرأي ما نعتقد أنه مفيد، وبعض من يقين وظن أن في الأفق شجرًا يسير مما ينذر بغزو وشيك ويود أن يكون أول المنذرين.

وفى الكتاب شيء من نصح وأشتات من تغريدات كان قد علق بها على بعض المواقف والأحداث، وفيه من المبادرات والمقترحات ما يتأمل أن يستفاد منها في حل بعض المشكلات، وهناك أيضًا رؤية وتصور لواقع ما سيكون عليه الحال خلال قرن أو يزيد، وفقًا لما يراه الكاتب وتقوله الأرقام ووتيرة الأقدام ومساراتها.