الازرق والابيض ومسيرة الربع قرن

هَذِهِ سِيْرَةٌ مُوَثِّقَةٌ لِنَادٍ عَرِيقٍ.. تَأْرِيخٌ أَمِينٌ لِمُؤَسَّسَةٍ مُوَقَّرَةٍ .. تَسْجِيلٌ لِمَرَاحِلِ عُمْرِهَا عَبْرَ أَزْمِنَةٍ مُتَبَايِنَةٍ بَيْنَ الكَدِّ وَالكَدْحِ وَالكِفَاحِ، وَبَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالإِنْشَاءِ وَالبِنَاءِ، بَيْنَ سِنِيِّ المُكَابَدَةِ وَالعَذَابِ، وَأَعْوَامِ الآمَالِ وَالأَحْلَامِ وَالطُّمُوحَاتِ وَالأَفْرَاحِ وَالْانِتْشَاءِ، تَحْوِي تَبَايُنَاتٍ طَبِيعِيَّةٍ فَرَضَتْهَا ظُرُوفٌ وَأَحْدَاثٌ وَلِيدَةٌ وَقِتِهَا، وَاقْتَرَحَتْهَا مَحَطَّاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مَرَّ بِهَا قِطَارُ نَادِي النُّجُومِ الرِّيَاضِيِّ الثَّقَافِيِّ الاجْتِمَاعِيِّ عَبْرَ حُقَبٍ مُتَلَاحِقَةٍ، وَهْيَ لَمْ تَذْهَبْ سُدًى؛ إِذْ ظَلَّ الأُسْتَاذُ طَاهِر مفتاح يَتَابِعُهَا مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً، وَيَسْتَعْرِضُهَا مَحَطَّةً مَحَطَّةً بِوِجْدَانِ العَاشِقِ المُحِبِّ، وَعَيْنَي الحَرِيصِ الوَاثِقِ، لِيَلِجَ بِهَا عَوَالِمَ التَّوْثِيقِ الرِّيَاضِيِّ رُبَّانًا أَمِينًا، وَقُبْطَانًا خَبِيرًا لِلسَّفِينَةِ الزَّرْقَاءِ، مُبْحِرًا بِهَا عَبْرَ أَمْوَاجِ الأَحْدَاثِ، شَاقًّا عُبَابَ السِّنِينَ وَالأَعْوَامِ، رَاسِيًا عَلَى شَوَاطِئَ عِدَّةٍ؛ شَوَاطِئِ التَّارِيخِ وَالتَّأْسِيسِ وَالإِحْصَاءَاتِ وَالأَنْشِطَةِ وَالأَحْدَاثِ الْمُتَنَوِّعَةِ، عَابِرًا مَرَافِئَ الصِّعَابِ وَالعَرَاقِيلِ، مُتَوَقِّفًا فِي مَرَاسِي الانْفِرَاجَاتِ وَالمَسَرَّاتِ.

وَهَذَا الرُّبَّانُ المَاهِرُ لَمْ يَدَعْ شَاطِئًا مِنْهَا إِلَّا وَبَحَثَ عَنْ كُنُوزِهِ، وَسَعَى لِالْتِقَاطِ لَآلِئِهِ، وَطَمَحَ إِلَى جَمْعِ دُرَرِهِ، وَنَيْلِ جَوَاهِرِهِ. بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً، وَلَا صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا وَدَسَّهَا بَيْنَ طَيَّاتِ كِتَابِهِ الرَّائِعِ، المَوْسُومِ بِـ ( الأَزْرَقُ وَالأَبْيَضُ وَمَسِيرَةُ رُبْعِ قَرْنٍ).

وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَسْتَسِغْ هَذَا العُنْوَانَ، فَوَدَدْتُ لَوْ أَنَّهُ بَحَثَ عَنْ عُنْوَانٍ آخَرَ غَيْرِهِ، يَكُونُ أَكْثَرَ مُلَاءَمَةً لِكِتَابِهِ المُهِمِّ هَذَا.

وَقَدْ وَجَدْتُ الكَاتِبَ مُؤَرِّخًا مُهْتَمًّا بِالتَّفَاصِيلِ كَافَّةً، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، مَعْنِيًّا بِكُلِّ مَا يَمُتُّ لِلنُّجُومِ بِصِلَةٍ، سَاعِيًا إِلَى إِشْبَاعِ ذَائِقَةِ المُتَلَقِّي بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسُدَّ جُوعَهُ لِلْمَعْرِفَةِ، وَيُطْفِئَ نَهَمَهُ لِلْمَعْلُومَاتِ، وَيُغْنِيَ رَغْبَتَهُ فِي الاسِتِفَادَةِ وَالاسْتِزَادَةِ. 

كَمَا رَأَيْتُهُ صَحَفِيًّا يُؤَرِّخُ لِلَّحْظَةِ كَمَا يَرَى البِير كَامِي. صَحَفِيًّا فِي تَعَلُّقِهِ بِالْأَخْبَارِ، وَاهْتِمَامِهِ بِالتَّفَاصِيلِ، وَحِرْصِهِ عَلَى دَقَائِقِهَا، وَمِنْ ثَمَّ صِيَاغَتِهَا بِأُسْلُوبٍ صَحَفِيٍّ مَحْضٍ، تَتَوَفَّرُ فِي مَوْضُوعَاتِ الأَخْبَارِ بِتَفَاصِيلِهَا المُهِمَّةِ وَالضَّرُورِيَّةِ بِمُكَوَّنَاتِ الخَبَرِ الأَسَاسِيَّةِ.

لَكِنِّي أَخَذْتُ عَلَيْهِ الانْسِيَاقَ وَرَاءَ بَعْضِ التَّفَاصِيلِ، وَالإِيغَالَ فِي الإِيضَاحِ وَالتَّبْيِينِ، هَدَفًا مِنْهُ إِلَى إِغْنَاءِ فُضُولِ القَارِئِ حَدَّ التُّخْمَةِ، لَكِنَّهُ - أَحْيَانًا - يُورِدُ تَفَاصِيلَ غَيْرَ مُهِمَّةٍ، وَيَسْرِدُ بِلَا تَحَفُّظٍ وَلَا تَقْنِينٍ، مُتَجَاهِلاً القَاعِدَةَ الإِعْلَامِيَّةَ الَّتِي تَقُولُ: (لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْرَفُ يُقَالُ)، إِذْ أَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ يُسَذِّجُهَا؛ فَيَبْدُو الكَاتِبُ كَأَنَّهُ مُعَلِّمُ مَرْحَلَةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ مُنْهَمٍّ بِالشَّرْحِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّبْسِيطِ بِلَا حُدُودٍ.

وَقَد حَاوَلَ الكَاتِبُ تَدْعِيمَ كَثِيرٍ مِنَ المَعْلُومَاتِ وَالأَخْبَارِ بِالصُّوَرِ وَالوَثَائِقِ كَسْبًا لِثِقَةِ القَارِئِ، لَكِنَّهُ يُورِدُ بَعْضَ الأَخْبَارِ، وَهْيَ دَقِيقَةٌ وَحَسَّاسَةٌ جِدًّا، جَازِمًا بِصِدْقِيِّتِهَا، تَحْتَاجُ مِنْهُ لِمَا يَدْعَمُهَا فَلَا يَفْعَلُ..!!

كَمَا أَنَّهُ اِكْتَفَى بِرَصْدِ أَنْشِطَةِ نَادِي النُّجُومِ فِي لَعْبَةِ وَاحِدَةٍ هِيَ كُرَةِ القَدَمِ فَحَسْبُ، تَارِكًا سَائِرِ الأَلْعَابِ الأَخْرَى، فَضْلاً عَنِ المَنَاشِطِ الثَّقَافِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا مُرُورًا عَابِرًا، وَلَوْ أَنَّهُ اِعْتَنَى بِهَذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا؛ لَجَعَلَ مِنْ كِتَابِهِ هَذَا مَرْجِعًا مُهِمًّا لِكُلِّ مَا يَخُصُّ نَادِي النُّجُومِ.

وَقَدْ بِحْتُ لَهُ بِبَعْضِ هَذِهِ الأُمُورِ فَأَسْتَوْعَبَهَا، مُبْدِيًا نِيَّتَهُ بِمُعَالَجَتِهَا، وَآمُلُ أَنْ يَسْعَى إِلَى تَدْعِيمِهَا بِمَا يُؤَكِّدُهَا وَيُوَثِّقُهَا وَيُصَدِّقُهَا.   

فِي المَخْتَتَمِ، أَرَى أَنَّ هَذَا المُؤَلَّفَ الرِّيَاضِيَّ يَكْتَسِي أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً فِي مَجَالِ التَّوْثِيقِ لِلْأَحْدَاثِ الرِّيَاضِيَّةِ الَّتي شَهِدَهَا هَذَا النَّادِي، وَبَعْضُ الأَنْدِيَةِ الأُخْرَى الَّتِي شَارَكَتْهُ المَنَاشِطَ ذَاتَهَا، وَعَايَشَتِ الأَحْدَاثَ عَيْنَهَا.

وَالكِتَابُ يُعَدُّ إِضَافَةً مُهِمَّةً لِلْمَكْتَبَةِ الرِّيَاضِيَّةِ اللِّيبِيَّةِ المُفْتَقِرَةِ لِمِثْلِ هَذَا المُنْجَزِ، وَلِتَارِيخِ نَادِي النُّجُومِ الرِّيَاضِيِّ الثَّقَافِيِّ الاجْتِمَاعِيِّ بِاجْدَابِيَا، الَّذِي سَيَفُوزَ بِهِ عَلَى أَنْدِيَةٍ كَبِيرَةٍ سَبَقَتْهُ عُمْرًا وَشُهْرَةً وَإِمَكَانَاتٍ، لَكِنَّهَا لَمْ تَنَلْ شَرَفَ تَوْثِيقِ تَارِيخِهَا.

وَهْوَ – بِحَقٍّ - نَافِذَةٌ مُشْرَعَةٌ عَلَى الأَمْسِ، يُمْكِنُ الإِطْلَالَةُ مِنْهَا عَلَى تَارِيخِ فَتَرَاتٍ رِيَاضِيَّةٍ مُهِمَّةٍ فِي مَسِيرَةِ النَّادِي، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْدِيَةِ بِلَادِنَا الحَبِيبَةِ. 

كَمَا أَرَاهُ نَجَاحًا خَاصًّا لِلْمُؤَلِّفِ، الرِّيَاضِيِّ وَالأَكَادِيمِيِّ الأُسْتَاذِ طَاهِر مفتاحَ، وَرِحْلَةً أُولَى مُوَفَّقَةً فِي سِلْسِلَةِ رَحَلَاتٍ أُخْرَى يَطْمَحُ الْكَاتِبُ إِلَى أَنْ يُوَثِّقَهَا بِقَلَمِهِ، وَيَعْبُرَ مِنْهَا إِلَى مَوْضُوعَاتٍ مُمَاثِلَةٍ تَتَغَيَّا رَصْدَ الحَرَكَةِ الرِّيَاضِيَّةِ بِاجْدَابِيَا خَاصَّةً، وَمِنْ ثَمَّ وَطَنِنَا الحَبِيبِ لِيبِيا. حَاثًّا إِيَّاهُ عَلَى المُضِيِّ قُدُمًا بَحَّارًا لَا تَلِينُ عَزِيمَتُهُ، وَلَا تَفَتَرُ هِمَّتُهُ، وَلَا تَثْنِيهِ أَمْوَاجُ العَرَاقِيلِ، وَلَا تَكْسِرُ طُمُوحَهُ عَوَاصِفُ الظُّرُوفِ.