الدرة الثمينة على مختصر السفينة
ولد الشيخ أحمد بن محمد الحضراوي في مصر سنة 1252هـ. ثم انتقل مع أسرته للمجاورة في مكة المكرمة، وله من العمر (7) سنوات فنشأ في الحجاز في وقت تجددت فيه أسباب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الإقليم.
لكن ظل الحرمان الشريفان قلبا نابضاً تلتقي فيهما ثم تتفرع عنهما تيارات الثقافة الإسلامية في العالم الإسلامي.
فانخرط فيها الشيخ وانطبع بطباعها، متتلمذا على نخبة من شيوخ العالم الإسلامي المعدودين، ثم معلماً واشتهر من تلاميذه نفر عرفوا فيما بعد كعلماء في الشريعة الإسلامية، متممين بذلك حلقة من سلسلة تواصل المعرفة الإسلامية طوال عصور التاريخ الإسلامي.
آثر الحضراوي حياة الزهد والتقشف مكتفياً في تأمين معاشه بنسخ الكتب وبمكافآت لم تكن ثابتة ولا كافية غير أنه عاش حياة اجتماعية نشطة فوصفه كل معارفه بحسن الخلق وحب العلم، توفي في مكة المكرمة سنة 1327هـ.
ألف الحضراوي عددا من الكتب في علوم الشرع والأدب والتاريخ فقدْ فُقِدَ أغلبها وشمل الموجود من مؤلفاته في التاريخ أربعة كتب في تاريخ مدن الحجاز الرئيسية مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف ومؤلفات أخرى في التراجم والتاريخ العام للعالم الإسلامي ومختصرا عن أمراء الحج.
وكان مما ساعد الحضراوي في كتابته صلاته بالعلماء من مكة المكرمة والمدينة المنورة والشام ومصر وتركيا ولكن التأثير الأكبر على شخصية الحضراوي كانت لخلفية ثقافته الإسلامية التي عرَّفته بأهمية الفقه والحديث وأعطته الكثير من إيجابيات شخصية الشيخ المسلم كضرورة تحري الصدق والأمانة والدقة والحرص على نقد الخبر على منهج النقد عند المحدثين وإن ورث أيضا شيئاً من سلبيات بعض العلماء الصوفيين كالأخذ بالأحاديث الضعيفة دون تثبت من الحديث أو التنبيه عليه علماً أن الشيخ له ثبت متسلسل وهذا يعاب عليه في ذكر الأحاديث كما وجد في كتابات الحضراوي شيء من التحيز والبعد عن الموضوعية حيث مثلت كتاباته وجهة نظر عثمانية خاصة في عدائها للدعوة السلفية الإصلاحية التي تبناها متأثرا بذلك بالدعاية السياسية وبكتابات من سبقه أو عاصره من المؤرخين الحجازيين ويلاحظ في مؤلفات الحضراوي أيضا اهتمامه بالبدع والخرافات والتي كانت انعكاسا للجمود الفكري في عصره، وقد نهج الشيخ الحضراوي في الفقه نهج المدرسة الشافعية ونقل عن علمائها أمثال الإمام النووي وابن حجر الهيتمي والرملي والأذرعي وابن قاسم والبجيرمي وجل علماء الشافعية حيث إن للشيخ بعض الأقوال وهي قليلة وإن اعترى كتاباته قليل من المآخذ اللغوية والنحوية التي نتجت عن حالة التدهور الثقافي التي شكلت ما يقرب من الظاهرة المألوفة في زمنه وقد اعتنى الشيخ الحضراوي بالتاريخ عناية فائقة بسبب الأحداث التي كانت تدور في الحجاز مما دفعه إلى أن يكتب في التاريخ ولكن في أحيان قليلة يتقصى أسباب الأحداث ولم يكتف بسردها سرداً إخباريا فقط كما عني بتحليل ونقد مصادره الكثيرة والمتنوعة وكان أول من أعاد إلى الأذهان القول بقدم مدينة جدة عن عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولكن المتتبع لمؤلفات الحضراوي ومعاصريه يلحظ دقته في سرد ما عايشه من أحداث.
حيث أعطى صورة حية صادقة لجوانب الحياة العامة في الإقليم في النصف الثاني من القرن الثالث العشر الهجري.