إدارة الأعمال بين النظرية والتطبيق

إن الإدارة هي "العملية الاجتماعية التي تترتب عليها المسئولية عن تخطيط وتنظيم أعمال مشروع ما بصورة فعالة واقتصادية بهدف تحقيق غاية أو مهمة معينة. وهي تنطوي على الحكم والتقرير في مسألة تحديد الخطط واستخدام البيانات من أجل مراقبة أداء العمل وتقدمه بالنسبة إلى تلك الخطط، وتوجيه الموظفين ودمجهم وحثهم والإشراف عليهم أثناء تنفيذ الأعمال المنوطة بهم". 

في مقال للدكتور زاهي حواس بعنوان "كيف بنى عشرون ألفًا من المصريين هرم خوفو؟"، قال: "… لم يثبت الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرام أن المصريين هم بناة الأهرام فقط، بل أثبتت الحفائر أيضا وجود نظام إداري محكم لتنفيذ هذا العمل الجبار. فقد قامت بعثة جامعة شيكاغو برئاسة "مارك لينر" بالكشف عن منطقة الإدارة الخاصة بالعمال والتي كانت تتبع "رئيس كل أعمال الملك"، وهو أهم منصب في مصر القديمة بعد الملك، فهو المسئول عن بناء الهرم وهو الذي يقدم للملك تقارير يومية عن سير العمل في بناء الهرم… ونحن نعتقد أن نظام الإدارة والإشراف على العمال في نظري يشكل أهمية قصوى، لأن لنا أن نتصور كيف استطاع المصري القديم تنظيم عملية حضور العمال من صعيد ودلتا مصر وتسكينهم بمنطقة الهرم والإشراف على سكنهم وأكلهم وشربهم وأيضا تنظيم قيامهم صباحًا مع شروق الشمس وعودتهم في الغروب، والإشراف على العمال الذين يقطعون الأحجار، وآخرون ينقلونها، وتنظيم الإشراف على جوانب الهرم، حيث كان يوجد مشرف لكل جانب من جوانبه وعدد عمال مسئول عنهم، وهذه هي في رأيي هي المعجزة الحقيقية.. "معجزة إدارة بناة الأهرام".

إذن، مفهومَ الإدارة قديمٌ قِدم الجنس البشرى نفسه. بل من الممكن القول أن الإدارة عصب الحياة منذ قديم الزمان. ومفهوم "الأسرة" ذاته يتطلب أن تكون الحياة منظمة، وموارد الطعام مقسمة بطريقة تزيد الانتفاع منها إلى الحد الأقصى، واتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين سلامة الأسرة... كل ذلك من مقومات الإدارة الناجحة. كما يظهر التاريخ المدوَّن تطبيق الحضارات القديمة لبعض أساليب الإدارة الشائعة، ويرجع ذلك إلى 5000 آلاف سنة قبل الميلاد حينما استخدم السامريون القدماء السجلات المدونة في الأعمال الحكومية، وبنى المصريون القدماء الأهرام قبل حوالي 7000 سنة كما تقدم أعلاه. ومن الطبيعي، افتراض أن جميع وظائف الإدارة المعاصرة، ونقصد التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والتوجيه والرقابة، قد قامت بدورٍ كبيرٍ ومتناسقٍ في بناء هذه الآثار الخالدة. 

يقول البروفيسور بيتر دراكر، رائد الإدارة المعاصرة:

"إن الإدارة عاملٌ حاسمٌ في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للأمم. وقد اتضح بجلاء أن فكرة التنمية الاقتصادية التقليدية باعتبارها وظيفة لحفظ المدخرات، واستثمار رأس المال فكرة لا تفي بالغرض المراد منها. وفي الواقع، لا تنتج المدخرات، واستثمار رأس المال، الإدارة والتنمية الاقتصادية؛ بل على النقيض تمامًا، تنتج الإدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية علاوة على المدخرات واستثمار رأس المال".

وهذا الكتاب يغطي كافة جوانب الإدارة ويقدم للقارئ الأكاديمي المتخصص والقارئ المثقف أحدث الأساليب والنظريات والقضايا المهمة في الإدارة؛ فهو يتناول في فصله الأول مفهوم الإدارة في الماضي والحاضر، وتعريف الإدارة من منظور علماء الغرب ومن منظور العلماء العرب، وهل الإدارة فنٌ أو علم؟ إضافة إلى مهام الإدارة، والمسئوليات الإدارية تجاه كافة الأطراف ذات العلاقة؛ في حين يتناول في الفصلين الثاني والثالث تطور الفكر الإداري عبر التاريخ ومدارس الفكر الإداري والنظريات المعاصرة في الإدارة مثل نظرية الإدارة بالأهداف والمدرسة الموقفية ومدرسة النظم. وفي الفصل الرابع، يناقش الكتاب مفهوم المنظمة وخصائصها، وأنشطة وموارد المنظمة، وأنواع المنظمات، ونظرية المنظمة، ومراحل نمو المنظمة، وبيئة الإدارة، وأنواع البيئة المؤثرة على المنظمة. 

ويعرج الكاتبان في الفصول من الخامس إلى التاسع إلى مناقشة وظائف الإدارة الأساسية بشكل مفصل، وهي التخطيط، والتنظيم الإداري، والتوظيف وإدارة الموارد البشرية، والتوجيه والقيادة والرقابة؛ أما في الفصلين العاشر والحادي عشر فيتناول الكتاب مفهوم عملية اتخاذ القرارات السليمة، والفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار، وأنواع القرارات الإدارية، ووظائف المنظمة من وظيفة إدارة العمليات والإنتاج، ووظيفة التسويق ووظيفة التمويل. 

ونظرا لأهمية نظم المعلومات الإدارية MIS، فقد خصصنا الفصل الثاني عشر لمناقشة مفهوم وأهمية وتصميم وأنواع نظم المعلومات الإدارية، علاوة على مصادر المعلومات الداخلية والخارجية، وعيوب وأخطاء وعوامل فشل نظم المعلومات الإدارية. 

وفي الفصل الثالث عشر، يتناول الكتاب عملية تحفيز الموظفين، وأساليب التحفيز، ونماذج ونظريات التحفيز، والعوامل المؤثرة على السلوك الإنساني، وتأثير البيئة على السلوك، وأنماط السلوك المتغيرة، ثم برامج التطوير الإداري في نهاية هذا الفصل. 

ويتناول الكاتبان في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر مفهوم العلاقات الصناعية، وشروط وأهداف العلاقات الصناعية، وأسباب المنازعات العمالية ومسئولية العمال، ودور المدير الصناعي، ومهام وأدوار مدير شئون الموظفين، ومفهوم ووظائف نقابات العمال، ودور رؤساء العمال والمشرفين في الصناعة، ومفهوم الديمقراطية الصناعية. أما إدارة الصراعات وتسوية المنازعات في المنظمات ونماذج الصراع التنظيمي، والتعامل مع الخلافات السلوكية فكان موضوع الفصل السادس عشر. 

ويناقش الكاتبان في الفصل السابع عشر مفهوم إدارة الوقت، وأنواع الوقت، ومضيعات الوقت، وخطوات الإدارة الناجحة للوقت، ومفهوم وأهمية وخصائص وأنواع التفاوض، ومجالات التفاوض في المؤسسات والشركات، ومحددات النجاح في التفاوض. وفي الفصل الثامن عشر، يتناول الكتاب مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات CSR، والقضايا التي أدت إلى الاهتمام بها، والمؤيدين والمعارضين لها، وعناصر المسئولية الاجتماعية، وأخلاقيات الإدارة، ومصادر القيم الأخلاقية في المنظمة. كذلك، يناقش الكتاب في الفصل التاسع عشر مفهوم الإبداع الإداري في المنظمات، ومفهوم الابتكار الإداري، وسيكولوجيا الإبداع، ومعوقات الإبداع، وسمات المبدعين وقبعات التفكير الست. 

ونظرا لانتشار مصطلح "الحَوكَمْة Governance" في الشركات، والمؤسسات، والوزارات والدوائر الحكومية بغية مأسسة أنشطة الشركات والعمل الحكومي ورفع كفاءته، ووضع آليات اعتماد تمويل البرامج والمبادرات، وترشيد النفقات، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان التزامها بتحقيق أهدافها، فقد خصصنا الفصل العشرين لمناقشة أسباب نشأة الحوكمة، وأهدافها، ومعاييرها، وكذلك تعريف مفهوم الحوكمة، والفرق بين الحوكمة والحكومة، وضوابط حوكمة الشركات الخارجية والداخلية، إضافة إلى معايير لجنة بازل للرقابة المصرفية العالمية.

وفيما يعتبر إدارة الأعمال الدولية International Business Management نظامًا قديمًا جدًا يرجع تاريخه إلى ما قبل الإسلام حيث كان الفينيقيون واليونانيون يرسلون ممثلين عنهم إلى البلدان الأخرى لبيع سلعهم وبضائعهم إلى البلدان الأخرى، فقد تناول الكاتبان في الفصل الحادي والعشرين مفهوم وأهمية إدارة الأعمال الدولية، وأقسام إدارة الأعمال الدولية الثلاثة (إدارة، أعمال، دولية)، وطبيعة ومجال الأعمال الدولية، والأعمال والاستثمارات في الدول النامية، وأوجه الشبه والاختلاف بين الإدارة الدولية وإدارة الأعمال ولوجا إلى إستراتيجيات دخول الأسواق الدولية، ونظرية التجارة والأعمال الدولية. 

ويتناول الكاتبان في الفصل الثاني والعشرين نشأة مفهوم وأهمية الإدارة الإستراتيجية، ومراحل تطور الفكر الإداري في مجال الإدارة الإستراتيجية، ومهام وخصائص الإدارة الإستراتيجية وسمات القرار الإستراتيجي، ومستوىات الإدارة الإستراتيجية داخل المنظمة، وعوامل نجاح تطبيق الإدارة الإستراتيجية على مستوى المنظمة. 

وفي الفصل الأخير، يناقش الكتاب مفهوم وأهمية ريادة الأعمال Entrepreneurship الذي يُعد من الحقول المهمة والواعدة في اقتصاديات الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، وكذلك أنواع ريادة الأعمال، ومهارات رائد الأعمال الشخصية، وخصائص منظمات الأعمال الريادية، والفرق بين القادة والرياديين، وأبعاد ريادة الأعمال، وإستراتيجيات ريادة الأعمال. وتناول الكتاب في نهاية هذا الفصل ريادة الأعمال في الوطن العربي مع تقديم نموذج مملكة البحرين ونموذج المملكة العربية السعودية في هذا المجال. 

نأمل أن يحقق هذا الكتاب الأهداف المرجوة منها وأن يفتح آفاقًا جديدة وأفكارًا حديثة لكافة الدارسين من طلبة الجامعات والمعاهد والدراسات العليا الراغبين في التعمق في هذا المجال؛ إضافة إلى المديرين ورجال الأعمال والمستثمرين والعاملين والمتدربين في مختلف المواقع الإنتاجية والخدمية والإدارية والعسكرية والأمنية، وكل من تتأثر مهام وظيفته بالتغيرات التي تطرأ على بيئة الأعمال.